لا شيءَ غير معقول، أكبر من الموت. أظنّ، وكلّ ظنّي وَهْمٌ، أنْ لو استيقظَ الميت في قبره، لأمضى، ممضوضاً، أبدَه العدَمِيّ اللانهائي، في حالٍ من نفس القماشة: الهذيان اللانهائي! مع أنَّ موته، بداهة، هو منطقٌ وعقلٌ خالصان، وضمنَ ما تواضعت عليه سُننُ الكون وقوانين الطبيعة.
الموت هو صدمة الكائن العُظمى، وشقاوة البشري التي لا تُضاهى، لسبب بسيط ومُركّب: إنّه الحيُّ الوحيد، كما يزعم العِلْم، الذي يعي موته. نقول، كما يزعمُ العلم، لأنّه لم يثبتْ حتّى الآن، ولن يثبتَ، أنَّ الحيوان، لا يعِي موته، حاله، تماماً مثل حال البشريّ الشقيّ.
فالأفيال، وسمك السلمون، وسواها، أحياءٌ تعي موتها، أو على الأقل، تحدُس باقتراب ساعتها، فتعود لموَاطنها الأولى، كي تموتَ هناك. وكلُّ الحكاية، أن لا لغةَ مشتركة بين بقية الكائنات وبيننا، كي نفهم حالها، وعلاقتها بالموت. ولأنّنا نجهل لغاتها، نروح نزعم أنّها لا تعي موتها.
وفي سياق كهذا، أظنُّ أنَّ الموت مسألة غريزة عند كلِّ كائن حيّ، يحسُّ ويطاوله الوعي، بلغة كلّ كائن على حِدة. أمّا الفارق بيننا وبين بقية الكائنات، فهو أنَّ الموتَ، قدرٌ محتوم، وكلٌّ صائر إليه، ومع هذا قلّةٌ منّا مَن يرعوون عن طمعهم بالدنيا، وجشعهم، كأنّهم باقون وحدهم، وكلّ الدنيا فانية من حولهم. وفي مسعى كهذا، لا غرو عندي أنَّ جميع الحيوانات، أكثر تواضعاً وحكمة منّا أمام إحساسها بالرحيل.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا