قدّم المؤلف الموسيقي التونسي أنور براهم (1957)، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، تنويعات إبداعية تشير إلى حرص على تجاوز الذات والبحث عن آفاق تجديدية. ولعلّنا نشعر بهذه الانتقالات بسهولة حين نتابع حفله الأخير، الذي أقامه أوّل من أمس الجمعة، ضمن فعاليات "مهرجان جاز فيست" في العاصمة المجرية بودابست.
يكفي أن نقارن أعماله الأخيرة بأعماله الأشهر، والتي ظهرت في عقد التسعينيات خصوصاً، مثل "حلفاوين"، و"مقهى أستراخان"، و"فجر أحمر في غروزني"، و"خطوات القط الأسود"، حتّى نلمس الفارق الكبير بين خيارات الموسيقي التونسي في تلك الحقبة واليوم.
ربّما لم تختلف روح المادة الموسيقية كثيراً بمرجعيّاتها التونسية الأندلسية، لكنّ براهم ذهب بفنّه نحو الجاز، بما يقتضيه هذا اللون الموسيقي من منطق إبداعي مختلف عن مفاهيم الموسيقى العربية. حافظ في الأثناء على آلة العود ــ وهو خيار يحسب له ــ ليبدو مشروعه اليوم أقرب إلى محاولة تذويب هذه الآلة في عالمٍ غريب عليها.
خيار الجاز أتاح لبراهم الوصول إلى العالمية منذ أكثر من عقد، ولكنّ أذن المستمع التونسي، وربّما العربي بشكل عام، لا تزال تحتفظ بموسيقاه الأولى، سواء منها الآلاتية البحتة، أو تلك التي رافقت أغان شهيرة مثل "ريتك ما نعرف وين" للطفي بوشناق، أو "طيور" التي أدّاها بصوته ضمن مشروع "النوّارة العاشقة" الذي جمعه بالشاعر علي اللواتي نهاية ثمانينات القرن الماضي. وإلى ذلك نذكر حضور موسيقاه في عدد من الأعمال السينمائية مثل "صفايح من ذهب" لـ نوري بوزيد.
أنجز براهم إلى اليوم إثنا عشر ألبوماً أبرزها: "برزخ" (1991)، و"مدار" (1994)، و"خمسة" (1995)، و"خطوات القط الأسود" (2002)، الذي يعدّ بداية مرحلة الجاز، ومن بعد أصدر "رحلة سحر" (2006)، و"بلوز مقام" (2017).