زار الرسام الفرنسي أوجين دولاكروا (1798 - 1863) المغرب عام 1832 ضمن وفد دبلوماسي بدأ رحلته من مدينة طنجة، قبل أن ينتقل إلى مكناس للقاء السلطان عبد الرحمن والتباحُث معه حول التطوّرات التي تلت احتلال الجزائر.
انتهت الرحلة في بداية صيف العام نفسه؛ حيث عاد الوفد إلى فرنسا عبر مدينة وهران الجزائرية. وخلال ستّة أشهر، أنجز دولاكروا العديد من الرسومات والتخطيطات بالقلم الفحمي والألوان المائية، كما سجّل العديد من الملاحظات في دفاتره.
لكنَّ أبرز ما رسمه الفنان الفرنسي عن المغرب سيأتي في وقت لاحق؛ إذ ظلّت تلك الرحلة بمثابة خزّانٍ لم يتوقّف عن العودة إليه؛ حيث أنجز عدداً من اللوحات التي استلهمها من مشاهداته في المغرب؛ مثل: "طنجة" (1838)، و"صيد الأسود" (1855)، و"خيول عربية تتصارع في الإسطبل" (1860)، و"مغربي يسرج حصانه" (1855)، و"مولاي عبد الرحمن: سلطان المغرب" التي رسمها قبل عام واحد من رحيله.
مثّلت هذه الأعمالُ مرحلةً مختلفة عن تلك التي رسم فيها دولاكروا المغرب قبل زيارته، لكنّها في الوقت نفسه كانت بمثابة الشرارة التي أطلقت موجة الفن الاستشراقي، مع انطلاق رحلات الرسّامين الأوروبيين إلى "الشرق" بحثاً عن مصادر جديدة للإلهام.
"دولاكروا: ذكريات رحلة إلى المغرب" عنوان معرض انطلق في "متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر" في الرباط في السابع من يوليو/ تموز الجاري، ويستمر حتى التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول، ويستعيد جوانب من رحلة الرسام الفرنسي إلى المغرب.
يضمُّ المعرض، الذي يُقام بالشراكة مع "المتحف الوطني أوجين دولاكروا" في فرنسا، الأعمال الفنية التي أنجزها التشكيليّ خلال رحلته إلى المغرب، إلى جانب اللوحات التي استلهمها من الرحلة، إضافةً إلى ما جلبه من هذا البلد من أدوات وأزياء وأسلحة وآلات موسيقية.
يُشير بيان المنظّمين إلى تأثير الرحلة المغربية على فن دولاكروا بالقول: "بمجرّد عودته الى فرنسا، وحتى وفاته، لم يتوقّف الفنان أبداً عن إعادة إنتاج التأثيرات العديدة التي حملها معه من رحلته في أعماله الفنية الغزيرة"، مضيفاً أنَّ المعرض سيُتيح "اكتشاف تاريخ الرسام، وتلك الرحلة التي تفتح الباب أمام قراءة واستيعاب هذه الحقبة من تاريخ المغرب على المستويين التاريخي والدبلوماسي، ولا سيما الفني".