صدرت عن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" النسخة العربية من كتاب "أوراسيا: قارة، إمبراطورية، أيديولوجيا أو مشروع" للباحث ميشيل برونو بترجمة معاوية سعيدوني، الذي يقدم عرضاً متعدد الأبعاد لقارة أوراسيا الممتدة من الشرق الأقصى إلى أوروبا الغربية، حيث يتركز حوالى 75% من سكان المعمورة، و60% من مجموع ناتجها القومي، و75% من موارد الطاقة فيها.
يتناول المؤلّف هذه الكتلة القارية وحاضرها، ويستشرف مستقبلها في مقاربة تجمع بين مجالات معرفية مختلفة من الجغرافيا التاريخية والسياسية، إلى الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتاريخ والعلاقات الدولية والاستراتيجية، في محاولة للإجابة عن سؤال جوهري: هل تمثل القارة الأوراسيوية كياناً جغرافياً اسمياً فقط، أم أنها حقيقة تاريخية وسياسية واقتصادية واستراتيجية يتحدد فيها مصير العالم في القرن الحادي والعشرين، بالنظر خصوصاً إلى المشاريع الاقتصادية والسياسية الطموحة لكل من روسيا (مشروع الوحدة الاقتصادية الأوراسيوية) والصين (طريق الحرير الجديد)؟
يتألف الكتاب من 13 فصلاً موزعة في 4 أقسام. في الفصل الأول، "القارة الأوراسيوية ومفهوم أوراسيا"، يتحدث برونو عن أوراسيا من حيث هي مجال قاري شاسع مقسّم إلى جزأين متواصلين منذ العصور القديمة، ويتناولها مصطلحاً ومفهوماً، مقدماً النظرة الجغرافية لأوراسيا، ومبيناً بيئاتها القارية وحوافّها البحرية من حيث هي تركيبة مناطقية تمتد من الشرق إلى الغرب، وموضحاً النماذج المجالية الكبرى لآسيا وأوراسيا.
كذلك يرسم آسيا وأقسامها، وخرائط أوراسيا الأولى، ومكوناتها في الزمن الطويل ومنظوماتها الحديثة، ليعمد إلى تطبيق مفاهيم الجيوسياسة على أوراسيا، انطلاقاً من القلب القاري إلى الأطراف والمحور الجغرافي، وخاتماً بالبحث في حركية المجال الأوراسيوي في الزمن الطويل.
هل القارة الأوراسيوية حقيقة سياسية واقتصادية وإستراتيجية يتحدد فيها مصير العالم في هذا القرن
في القسم الأول، "أوراسيا عبر الطريق القاري: الإمبراطوريات"، خمسة فصول. في الفصل الثاني، "عالم محيط البحر المتوسط: من البحر المتوسط إلى آسيا الوسطى"، يتناول برونو الإمبراطورية الفارسية بصفتها مفصل أوراسيا، وساترابي بصفتها بنية إقليمية مستديمة.
وفي الفصل الثالث "الصين وغربها الكبير: حكم هان والأقليات القومية المسلمة"، يعالج برونو مسائل الدولة الصينية الوحدوية والمتراتبة، والصين وفيتنام في سياق إقليمي واحد، وقومية هان والأقليات القومية في الصين، وتصيين الأطراف القارية، إلى جانب مسألة الأويغور، والدمج الإقليمي وتصيين منطقة شنجيان ذاتية الحكم، انتهاءً بمسألة الهوي المسلمين الصينيين، وبالمسلمين بوصفهم رابط الصين الأوراسيوي.
يبحث الفصل الرابع "الأتراك في أوراسيا: صعوبة الرابط القاري وهجرات الفتح من الشرق إلى الغرب" في قضايا عدة، منها الشرخ بين الشرق والغرب بحسب إيليزيه روكلو، والمنطقة الوسطية، والطرق بين أوروبا وآسيا في العصر الوسيط مع التركيز على الطوائف المسيحية والتجار، وإمبراطوريات الرُّحَّل في شمال غرب الصين وآسيا الوسطى ومنغوليا.
وفي الفصل الخامس "المغول في أوراسيا: من الإمبراطورية الجنكيز خانية إلى الدولة القومية المغولية"، يتحدث المؤلف عن إمبراطورية جنكيز خان المغولية القارية والاندفاع نحو الغرب، وخلفاء جنكيز خان، والصين بعين الرحالة ماركو بولو، والأسلمة والتتريك التدرجيَّين لمغول آسيا الوسطى وروسيا.
ويبحث برونو في الفصل السادس "أربعة قرون من التوسع الإقليمي الروسي: سياق إمبراطوري أوراسيوي"، في نشأة الدولة الروسية، ثم تحوّلها إلى إمبراطورية قارية. أما القسم الثاني "أوراسيا من طريق البحر: الاستعمار"، ففيه فصلان. في الفصل السابع، "أوراسيا من طريق البحر: الملاحة، التجارة، الاستعمار الأوروبي"، يبحث برونو في عودة ماركو بولو من الصين، وفي كون المحيط الهندي مفصلاً بين بحر الصين والبحر المتوسط قبل قدوم البرتغاليين، وفي الملاحة والطرق البحرية القديمة، والطرق البحرية الاستعمارية والإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية.
وفي الفصل الثامن "من الإمبراطورية الاستعمارية الآسيوية اليابانية إلى ممر شرق آسيا"، يتناول برونو الإمبريالية اليابانية، وأنموذج التنمية الياباني وشروط تطبيقه وانتشاره، وحركية النمو المميزة التي امتدت إلى شرق آسيا وجنوب شرقها، والأزمة الآسيوية وتوسعها (1997 – 1998)، ومحور النمو في شرق آسيا وجنوب شرقها، مركّزاً على أول ممر للتنمية، وهو ممر شرق آسيا البحري الذي يوفر الخدمات المتكاملة.
يتكون القسم الثالث "مجالات التفاعل والتواصل" من 3 فصول. في الفصل التاسع، "جنوب شرق آسيا: بين الهند والصين: التواصل بين المحيطين الهندي والهادئ"، يتناول المؤلف الروابط بين الصين وشبه جزيرة الهند الصينية من مسالك القوافل إلى ممرات النقل الحديثة، والفرع الجنوبي لطرق الحرير، وحركيات الاندماج العابر للحدود بين الصين وجنوب شرق آسيا، ودور الصين في سياسات الاندماج الجهوي، والتغلغل الصيني في بورما وفي شمال لاوس.
وفي الفصل العاشر "الدول القومية في آسيا الوسطى: بين روسيا والصين"، يقدم المؤلف مفهوم آسيا الوسطى وأقطابها الثلاثة، ويبحث في مسلمي روسيا والفكرة القومية وبناء هويات إثنية أو شعوب ومنطق تقسيم الأقاليم ورسم الحدود.
ويتناول في الفصل الحادي عشر "العالم الهندي وصلاته الصعبة مع آسيا الوسطى والصين"، العالم الهندي أو المتأثر بالثقافة الهندية، وأسلمته الجزئية، وقيام الدولة الأفغانية وتثبيت حدودها، وصعوبة الحفاظ على وحدتها (القبائل، الإسلام، طالبان)، وآثار الحرب والهوية القومية الأفغانية.
أما القسم الرابع "المحاولات الأخيرة لبناء مجال أوراسيوي"، ففيه فصلان. في الفصل الثاني عشر "من الفكرة الأوراسيوية الروسية أو التركية إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسيوي"، يدرس برونو مسائل عدة، منها السلافوفيليون والتغريبيون، ومفهوم أوراسيا والفكرة الأوراسيوية، ثم الفكرة الأوراسيوية الجديدة والأيديولوجيا البوتينية.
وفي الفصل الثالث عشر "طرق الحرير الجديدة: هيمنة الصين على أوراسيا؟"، يتناول برونو طرق الحرير الجديدة بصفتها مشروعاً صينياً ذا بعد عالمي في الزمن الطويل، واضعاً شنجيان في قلب المحور القاري لطرق الحرير الجديدة.