تحت عنوان "اكتشاف القدس وجوارها في عيون الرحالة أوليا جلبي"، ألقى الأكاديمي زكريا قورشون، أستاذ التاريخ في "جامعة وقف السلطان محمد الفاتح"، وصاحب العديد من الكتابات حول البلدان العربية، محاضرة حول ما ورد عن القدس في كتاب "سياحت نامه" الذي ألفه أوليا جلبي بن درويش محمد أغا ظلي (1611-1684)، وهو كتاب ضخم يتكون من عشرة أجزاء، دوّن فيه جلبي رحلاته إلى مدن مختلفة من الإمبراطورية العثمانية.
المحاضرة، التي نظّمها "معهد يونس إمره" الثقافي التركي في القدس المحتلة افتراضياً، الخميس الماضي، كان ينقصها الاعتناء بجودة الصوت والترجمة، فقد ضاع كثير مما ذكره المحاضر بسبب عثرات المترجم والمشاكل التقنية. يذكر قورشون أنّ جلبي يبدأ في الحديث عن القدس انطلاقاً من حملة السلطان سليم، الذي زار المدينة وصلّى في المسجد الأقصى قبل أن يدخل إلى مصر. ويذكر الباحث أن القدس عرفت تطوراً ونهضة في عهد ابنه، السلطان سليمان القانوني، ضارباً مثالاً بـ"الزيادة الكبيرة في عدد سكان القدس ما بين عهدي سليم وسليمان، وازدياد عدد المدارس بشكل لافت".
تجري حالياً ترجمة أقسام "سياحت نامه" الخاصة بالقدس إلى العربية
ويروي جلبي، الذي يصف القدس بـ"الولاية المزدهرة"، كيف أن سليمان القانوني رأى النبي في منامه يوصيه بأن يحصّن قلعة القدس ويزيّن حرمها بحوض ماء ويمنح دراويشها مخصصات مالية كل عام ويعيد بناء المدينة. ويذكر الرحالة كيف استجاب السلطان العثماني للحلم بأن أصدر قراره بإعادة بناء أسوار القدس، لتستمر عملية إعادة تحصين المدينة ثلاثة أعوام (1535 - 1538). ويعلّق المحاضر بالقول إنّ بناء السور كان مهماً، مما جعل المدينة آمنة وأتاح التوسع في إعمارها. واعتبر قورشون أن رحلة جلبي باتت اليوم مرجعيةً في تاريخ القدس، التي زارها عدة مرات؛ إذ لم يتناول الفترة العثمانية التي عاصرها فحسب، بل كذلك الآثار التي تركها الأيوبيون والمماليك فيها.
توقف المحاضر عند شخصية جلبي، ووصفه بـ"المثقف المختلف" الذي "كتب بأسلوب أدبي، ولم يكتفِ بالتدوين، ما يستدعي اللجوء إلى مصادر أخرى لفهم لغته المليئة بالمجاز والاستعارات، كما أنه عُرف بمشاركته في الحياة السياسية والإدارية والاجتماعية، وطاف العالم ودوّن ما رآه في كتبه. وبينما كان يُعرِّف الناس على العالم، قدّم خدمة للجغرافيين والمؤرخين الذين نقلوا عنه كمصدر موثوق".
قورشون الذي نوّه بأن العمل جارٍ حالياً على ترجمة الأقسام الخاصة بالقدس في الكتاب إلى العربية، تطرّق إلى الفرق بين القدس في رحلة ابن بطوطة وبين توثيق جلبي لها، "فابن بطوطة يروي فقط ما يرى في زمانه، بخلاف جلبي الذي يعيد قراءة تاريخ المكان أيضاً إلى جانب واقعه، ويخصّص في كتابه وصفاً دقيقاً للمسجد الأقصى وأعمال سليمان القانوني في ترميمه وتزيينه، وكان يشرح ويعطي معلومات تفصيلية عن كل شيء، بما في ذلك ما يسميه فضائل القدس وزيارتها، ويخصص أقساماً للآثار والمقامات والأضرحة".