استمع إلى الملخص
- مدينة أنتويرب تمثل بيئة معقدة للشاعر اللاجئ، حيث يواجه تحديات اجتماعية وثقافية تتطلب منه استنباط لغة جديدة تتناسب مع تجربته اليومية، مع الحفاظ على تراثه الغنائي.
- الشعراء يواجهون صراعًا مستمرًا مع الزمن والوجود، حيث يسعون للتعبير عن معاناة الإنسان في عالم مليء بالصراعات، ويبحثون عن الأمل والشجاعة في مواجهة التحديات.
الشعر صعبٌ، حتّى لو رأيته في كلّ شيء، أن تتقدّم في العمر. صعبٌ لأنّه عصيٌّ على الكتابة، وإن كان قابلاً للإحساس وحتى لتداوُل لواقط البصر ومجسّاته.
الشعر صعبٌ، في كلّ مكان وفي أيّما لغة، لكنّ الشاعر، من حسن حظّ البشرية، يواصل محاولة التعافي من عمل "نتائجه النهائية مزعزعة للاستقرار"، بحسب الشاعر التشيلي الكبير راؤول زوريتا. أقول هذا، وكلّي أملٌ أن أكتبه ولو قليلاً جدّاً، في أزمنة المحفّزات السطحية التي نعيش.
لهذا، بعد كدح النهار، أخلد إلى الفراش، مع شبه ترويدة: مباركٌ عذابُ الشعراء، وهو المُخالف تماماً لنظام الملكية والنموذج الرأسمالي الذي يحكمنا. غير مبارك ألّا أجد ـ سوى قلّة ـ تريد تحمُّل عبء استيلاد الشعر من العدم، بالكامل، مثلما كان في غابر الأزمان.
ها أنا أبلو أنتويرب مدينة السكارى، والمتشرّدين، والأنبياء الكَذبة: المتفاخرين بظلالهم تحت شمسها، العمّات الرهيبات، موظفي الهايتك، مغروري البنوك، المصرفيات مثل الوحوش، والمجانين البسطاء من غير لون أبيض. ها هي بكامل فداحتها، وعلى الشاعر اللاجئ أن يستخلص لغته الخاصّة من حَسَك تلك التجربة اليومية، مع الحفاظ على مستوى معيّن من غنائيات ورثها من بلاد أُخرى، ولا تُناسب هذا الجوّ بالمطلق. ثمّ بعد ذلك، وقبله، ثمّة مشكلة الشعراء منذ الأزل: كيف تنشأ لغة خاصّة داخل اللغة العامّة؟
مشكلة الشعراء منذ الأزل: كيف تنشأ لغة خاصّة داخل اللغة العامّة؟
لكم تعبتُ تحت سماء أنتويرب. لكم تعبت كوني ماركسيّاً وضدّ شعر الصالون: ضدّ لغة وليدة ومتحلّلة بفعل الخطاب ما بعد الليبرالي: ماركسياً حتى ضدّ لغتي المتخشّبة في التفاعيل.
أيتها اللغة المغتسلة بنور الدم: أريد نجدتك توّاً. أريد، فلا يزال هذا دافعاً لفعل شيء ما، من أجل شعبٍ معروف وموصوف، أمام عدوّ الإنسان المعروف والموصوف. أريدك، فأنتِ الطبيعة السرّية لأشياء هذا العالم وبشره المعذّبين.
لا إقامة فوق التراب إلّا بك أيها النور. أريدكَ وأنت الآن تحت الأرض، لتضيء ما فوقها، وتمسّ بجناحك كلّ غريب، بين بيض لهُم الروحُ المظلمة. أريدك كيما يظلّ الشهداء محتفظين بأعمارهم في القبور، ونشيخ نحن أثناء الرحلة، لأنّ الزمن توقّف للأبد.
حتّى لو لم يكن هو موسمهم: موسم تينك الفراشات. فإنّ طاقتها المكرّرة لَتُحافظُ على النجوم مضاءة في الليل. سيكون هذا ممكناً إذا كان هناك حبٌّ وشجاعة.
أريدك لأنّ كلَّ فلسطيني بكى أمام أنقاض منزله، معه حق. كلُّ مثقّف رثى مكتبته المحترقة تحت الركام، معه حق. ما العالم وفيه استعماريون غربيون إلّا متاهة أنقاض. متى يريحنا الرب الخالق من شرّ ما خلق؟
هو عبء اللحظات. هو الوجود ثقيلاً وباهظاً. هي الاستمرارية التي لا يمكن إيقافها لِكَرِّ الزمن، تبدو وكأنّها وجعٌ لا رجعة فيه.
أثناء الحروب، نادراً ما نكتب. وبدلاً من ذلك، ينظر الأطفال والنساء والشيوخ إلى السماء هذا الأسبوع، زافرين: يا رب. نعم: هذه المقتلة مهرٌ غال لعروس أغلى. وليكن ما يكون.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا