في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين الدراسات النقدية والحضرية وتاريخ فلسطين وعلم الاجتماع والسيرة الذاتية والعمارة.
■ ■ ■
ضمن سلسلة "ترجمان"، صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "إميل دوركهايم" لمارسيل فورنييه، بترجمة فاطمة الزهراء أزرويل. يوثّق العمل لسيرة عالم الاجتماع الفرنسي، ملقياً الضوء على شخصيته، وعلاقته باليهودية، وحياته العائلية، وعلاقاته بأصدقائه ومعاونيه، ومسؤولياته السياسية والإدارية، وآرائه السياسية. يستعين فورنييه بمنظور السيرة الذاتية ليتحدّث عن السياقات التاريخية والثقافية والسياسية والفكرية للمشهد الدوركهايمي؛ مثل اليهودية في فرنسا، ومدارس الجمهورية الثالثة وجامعاتها، والمناخ الفكري.
عن "مؤسَّسة الدراسات الفلسطينية"، صدر حديثاً كتاب "لفتا: سجلّ شعب، التاريخ والتراث الثقافي والنضال" للأكاديمي الفلسطيني نظمي الجعبة، وبمساهمة كلّ من رنا بركات، وخلدون بشارة ويعقوب عودة. يقدّم العمل دراسةً عن بلدة لفتا الفلسطينية الواقعة على سفح وادي الشامي على المدخل الغربي لمدينة القدس، والتي هُجّر أهلُها ضمن تطهير عرقي شامل سنة 1948، وظلّ عددٌ من مبانيها التي لم تُجرَف كغيرها من القرى والمدن شاهداً على النكبة وعلى تطوّر القرية الفلسطينية على مستويات الثقافة والبيئة والعمارة والتخطيط الحضري وغيرها.
"جمهوريّتان وتونس واحدة" عنوان السيرة الذاتية التي وضعها رجل الدولة التونسي محمد الناصر وصدرت حديثاً بالفرنسية عن منشورات "ليدرز". يعود الناصر إلى بدايات تجربته السياسية ضمن الحركة الوطنية، وبعد الاستقلال كان من الشباب الذين اعتمد عليهم نظام الحبيب بورقيبة، وقد تقلّد منصب وزير الشؤون الاجتماعية، قبل أي يُبعد عن مواقع القرار خلال حكم زين العابدين بن علي، لكنه دعي بعد ثورة 2011 كشخصية وطنية لتقلّد مواقع وزارية، وانتخب رئيساً للبرلمان في 2014، ثم شغل منصب الرئاسة في 2019 بعد وفاة الباجي قائد السبسي.
عن "دار شهريار"، صدر مؤخراً كتاب "شعرية التخييل ونظرية الرواية"، بترجمة لحسن أحمامة والذي انتقى فيه عدداً من البحوث والدراسات المرجعية في مجال السرديات. قدّم الكتاب سعيد يقطين الذي أشار إلى أن المقاربات التي تتضمّنها المقالات السبعة تفيد الباحث العربي الذي يشتغل بالأدب عامة، والسرد خاصة، من حيث توفيرها لكثير من المفاهيم والمنهجيات. يأتي هذا العمل بعد مجموعة من الترجمات التي أنجزها أحمامة ضمن السرديات مثل: "شعرية الروية" لـ فنسان جوف، و"اللسانيات والرواية" لـ روجر فاولر، و"الخطاب" لـ سارة مليز.
صدر كتاب "فلسطين: ذاكرة المقاومات"، للشاعر والباحث المغربي محمد بنيس، عن منشورات "المركز الثقافي للكتاب"، وهو عمل يعود إلى مراحل احتلال فلسطين، وكيف تشكّل خطاب ثقافي مناهض للسياسات الصهيونية. ينقسم الكتاب إلى أبواب، هي: إشراق ذاكرة، عبر المآسي، إبداع رؤية، من هنا غزة، سيد الضوء: محمود درويش، أزمنة القدس، ثم ذاكرة في مكانها. من أبرز ما يقدّمه بنيس في هذا الكتاب قراءة شاملة في الكتابات المؤسِّسة للكيان الصهيوني مثل كتاب ليون بينسكر "الانعتاق الذاتي" (1882)، وكتاب ثيودور هرتزل "دولة اليهود" (1896).
عن "دار المدى" العراقية صدرت حديثاً ترجمة كتاب "وانتهى كلّ شيء" للكاتبة والروائية الفرنسية سيمون دو بوفوار، بتوقيع محمّد فطومي. يمثّل الكتاب الجزء الأخير من سلسلةٍ سردية ذات ملامح شخصية، تحمل عنواناً جامعاً هو "ذكريات". تتوقّف صاحبة "الجنس الآخر" عند نضالها من أجل حقوق المرأة، كما تستحضر أجواء الوسط الأدبي والفكري الباريسي الذي عاشت فيه، وتسرد بعضاً من رحلاتها ولقاءاتها. يأخذ الكتاب شكل جردة لحصيلة شخصية تتناول فيها دو بوفوار بالتحليل بعض أعمالها ومواقفها السابقة، غير متردّدة في نقد بعضها وتجاوزها.
"الفضاءات العامة في مدينة عمّان: بين التنوّع الحضري والتباين الاجتماعي" عنوان كتاب صدر للباحث الفلسطيني ضرغام شتية، عن فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في بيروت، ويتناول فيه انقسام العاصمة الأردنية؛ شرقية وغربية، وما تركته التحولات النيوليبرالية من تأثيرات على نمط الاستهلاك وطبيعة الحياة اليومية في المنطقتين. كما يصف تاريخ المدينة التي كانت تشبه غيرها من الحواضر الإسلامية حتى أربعينيات القرن الماضي، وكيف تغيّرت بنيتها العمرانية نتيجة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية خلال ما يقارب سبعة عقود.
يتتبّع الباحث المغربي صدوق نور الدين في كتابه "عبد الله العروي بين التمثل الذاتي وصورة العالم" الذي صدر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" العوالم السردية في تجربة المفكر المغربي (1933)، حيث يدرس روايتيه "غيلة" و"الآفة"، واليوميات التي نشرت في أربعة أجزاء بعنوان "خواطر الصباح" وكذلك مسرحية "رجل الذكرى"، التي جاءت في صيغ وأشكال متنوّعة قدّمها العروي في مسار موازٍ لنتاجه الفكري، وهي تتضمّن مواقفه وآراءه إزاء التحوّلات الاجتماعية والتاريخية والثقافية التي انعكست في أحداث ترجمتها شخصيات في كتاباته الأدبية.
في كتابه "العمارة الشعبية والتغير الثقافي في صعيد مصر" الذي صدر عن "سلسلة الدراسات الشعبية" بهيئة قصور الثقافة في القاهرة، يستعرض الباحث المصري محمد شحاتة العمدة حضارة البداري التي تعود إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد في أسيوط وغيرها من حواضر الصعيد، ويتناول الخامات المستخدمة في البناء لدى هذه الحضارة مثل البوص والغاب والطين والتبن، والطوب اللبن والطوب الأحمر والجيري، وأغراض العمارة مثل السكن والعمارة الدينية وعمارة القبور وعمارة أنشطة الحقل والمنزل والضيافة، والتغّير الذي أثر على كل نوع منها.
بعد "علم اجتماع المال" و"علم اجتماع الهجرة" اللذين صدرا في شباط/فبراير الماضي، أصدرت منشورات "لا ديكوفرت" الفرنسية، حديثاً، كتاب "علم اجتماع المثقّفين"، للباحث لوي بينتو. يتناول بينتو النحو الذي تتألّف من خلاله مجموعات اجتماعية من المثقّفين، مركّزاً بالبحث على نهاية القرن التاسع عشر، الذي أصبح فيه المثقّفون موضوعاً للتساؤل السياسي والعلمي، ولا سيّما لدى إميل دوركهايم وماكس فيبر وأنطونيو غرامشي. سبق للباحث الفرنسي أن صدر، في الموضوع نفسه، أعمالاً مثل "مقهى المفكّرين" (2009) و"الدين الثقافي" (2010).