في عام 2013، أصدرت أستاذة التاريخ إلهام خوري مقدسي كتابها "شرق المتوسط وتكوين التيار الراديكالي" عن "منشورات جامعة كاليفورنيا"، وتعود فيه إلى بدايات ظهور الأفكار الاشتراكية والفوضوية في بيروت والقاهرة والإسكندرية بين عامي 1860 و1914.
وتفصّل أستاذة التاريخ خلاله كيف كانت تُناقش وتُنشر وتُعاد صياغة تلك الأفكار بانتظام بين المثقفين، وكذلك العمال والمسرحيين، المصريين منهم والسوريين العثمانيين والإيطاليين واليونانيين وغيرهم من المكوّنات الديموغرافية في تلك المدن. كذلك تشرح كيف لعبت أفكارهم دوراً أساسياً في تشكيل المجتمعات وفي التاريخ الفكري والاجتماعي خلال تلك الفترة من الحكم العثماني.
صدرت النسخة العربية من الكتاب عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة بترجمة دعاء نبيل إمبابي، والتي ترصد قصة صعود التيّارات الراديكالية في كل تلك المدن الواقعة شرق المتوسط، والتي تعد جزءً من سياق أكبر بكثير.
وتشير المؤلّفة في تقديمها إلى إنّه "كان هناك اتصال بين الصور المختلفة للأفكار والأنشطة في تلك المدن وحركات العديد من الشبكات الاجتماعية والثقافية التي تربط بينها، وتؤسس جغرافيّاً تنافسية أو مساراً راديكالياً خاصا يربط بين بيروت والقاهرة والإسكندرية، ويساعد هذا الترابط بين الشبكات في تفسير أوجه التشابه الكبيرة بين الصيغ المختلفة للأفكار والمشروعات والأنشطة الاحتجاجية اليسارية التي نشأت".
وتوضّح أنّه لم يكن ذلك المسار الراديكالي مقصوراً على منطقة شرق المتوسط، بل ارتبط بشبكات راديكالية أوسع، وخاصة تلك التي تشكّلت على يد الشبكات المهاجرة والجاليات التي تصل بين شرق المتوسط والأميركتين وجنوب أوروبا، ففي حقيقة الأمر كان الرابط بين الراديكالية والعولمة مناقشة محورية في هذه الدراسة.
تناقش مقدسي حركة رؤوس الأموال وسوق العمل وتأثيرات الإمبريالية والهجرة كموضوعات أساسية لمناقشة الأيديولوجيات الراديكالية، ثم تنتقل إلى تحليل دور الصحافة والمسرح كوسائط فعّالة لنشر الأفكار المتطرّفة في المنطقة خلال تلك الفترة، عبر دراسة مقالات كانت تنشرها مجلّتي "المقتطف" و"الهلال" وكيفية تغطيتها لعدد من القضايا وتلقيها بين الطبقات الشعبية في زمن ارتفعت فيه معدلات الأمية.
كما تدرس مسرحيات ومقالات معاصرة من السجلات الأرشيفية البلدية في الإسكندرية، والتي توفّر مشهداً حيّاً عن طبيعة تلك المرحلة، وحضورها ضمن الدعوات الإصلاحية التي سادت، وتحلّل أيضاً مقالات كانت تقدّمها ثلاث دوريات سورية كانت تصدر آنذاك في البرازيل، وهي: "المنذر"، و"الأفكار"، و"والفرائض" ومساهمتها في نشر أفكار متطرّفة.