أيام تعقُب أياماً،
وقتٌ يمضي ويجيء،
كل ساعة تطرد ساعاتٍ
تنفد،
يفرُّ النورُ
في صهريجِ الليل المُخرّمُ،
تنغمس في دُوار حلم،
ظلالٌ
بؤس، إقدام، نفحات هواء، فقاعات
في العلبة الكبيرة العمياء،
مغرغراً، غير مدرك
تستأنف حياتك المعتادة،
خطوة بعد خطوة
عقلك الواثق يوهمك
أن العالم
(العالم!) يلعب لصالحك
حلو هو ذاك اللقاء الذي يهزّك،
يُخضع حواسك
ومَرّة أخرى
تغرق في ظلمة
الأفكار الدامسة، الوخمة،
الطّاحنة، التي تتسرّب
شيئاً فشيئاً إلى
كُرة عقلك
كثيرة هي الفروع، والأغصان
من خارجك، وداخلك،
وكما في فترات الظهيرة المتطرّفة التي تتألّق، في الصيف،
تغفو
في غرفة محميّة مع ظلال وارفة،
وتتدلّى
إلى
النوم، تتدلّى
إلى يَشب الساعات،
وتقيم لساعات ،
تبدو كأنها قرون،
إلى أن تُعرّج،
إلى التيارات
المشعّة بالضِّياء، مرّة أُخرى
روائح المسك والماء،
مع التقلّبات الموهِنة، ستلاحظ
بين العصي بذرة نور تُغرقك،
تغرف من عصير الحياة
الذي يغتذي
من حيوات أُخرى، أسباب أُخرى
أبعد، وأشدّ إيغالا
في سرب من الأصوات المتداخلة،
تفكر في ما كان منذ زمن
ميلاداً، وقبل ذلك
بذرة البذرة، حملاً
سرعان ما يُطلق سباقاً أهوج
رجالٌ ورجال، وحوشٌ وجذور، سموات كثّة
تغشى العيون المشرّعة،
كانت عيناك، هناك، مبهوتتين تتأملان
كل شيء، لا تعرف، أو أنها بالفعل تعرف
ربما، البركة، لا تعرف
السعادة
تدع الأمور كما هي.
وتلتف
إلى محاريث أنأى، حشائش
وأشواك تعيق طريقك،
لكنّك لا تستسلم، تصرّ، تمزّق
رسغيك، وكاحليك
رائحة عالم ليس عالمك،
موصد، منيع، تفكّر
باكتفائه المجيد بذاته، والمنكَر على من يولد
مثلك، إنسان آيل للممات،
واحد مثلك، يتنفس، يشعر،
يرفع
عينيه إلى الأعلى،
تفكر في ماهية الحياة،
إن لم تكن حياة قائمة لذاتها، نفخات
بخار ترتفع
من الفم، ودم
يفرّ من العروق،
وينعجن بالأرض العائدة
كل عمل، كل إرادة خراب
تحترق
طبقة بعد طبقة، وتصطدم
باليابسة
إنها طبيعة الأشياء، تقول ذلك،
وأنت تنسحب
في حصن من الأفكار الهائلة،
التي تكتسحك
أبراج غير قابلة للاختزال
أنت هناك، لكنك لست هناك، أنت موجود
غائص في معارج أُخرى،
في الظلمة، والحرّ، تعود
إلى ما كان بالفعل في البدء
يوماً مشرقاً: كما كان رائعاً.
أصيح، وأنا أرى
شعلة العقل المجنّحة، تتعثر
على آخر درجة، أنت هناك بالفعل
تتوقف،
على العتبة، القديمة، على حافة بئر
متصدّعة، تلتقطه، الدلو، الذي يقطر
بطحالب منسكبة،
يزداد لبابها،
مياه على مياه، موحلة، معتمة، تشعر بها
بإصبع ينغمس
في البرد،
تسأل نفسك –ما كان هذا
الانفعال المضطرم
هذا الطّنين
لأرواح تضغط، تلهث،
تغلي
في هلام العالم العظيم
سماد
الحياة، عجينتها
المعتمة، السوداء، التي تتخمّر، وتتخمّر
في باطن الأشياء
التي كانت، من اللاشيء
العائد، من الظل
الأكثر إشراقا
مكتسيا
اللمعة الجديدة
نفسها
لا شيء ينبت من اللاشيء
النفس تلد نفسَها.
* ترجمة عن الإيطالية: أمل بوشارب
بطاقة: Giancarlo Pontiggia شاعر وكاتب وناقد إيطالي من مواليد 1952 بسيرينيو في إقليم لومبارديا. تخرّج من كلية الآداب في جامعة ميلانو، وعمل محرراً ثقافياً في عدد من المجلات الشعرية، وترجم من الفرنسية عددا من المجموعات الشعرية. حصل على العديد من الجوائز الشعرية الهامة في إيطاليا والعالم. يدرّس حاليا الأدب اللاتيني والإيطالي في ميلانو، ويتعاون كناقد أدبي مع صحيفة Avvenire.