في عام 1961، قدّمت إيتيل عدنان أوّل مجموعة من الكتيّبيات المعروفة بـ"Leporellos"، على شكل أكورديون، والمستمّدة من تقليد اتّبعه الفنانون اليابانيون لإنتاج مطبوعات مطوية في القرن الثامن عشر، وكانت قد ضمّنتها بمجموعة قصائد ونصوص نثرية، مشبّهةً أسلوبها الذي طوّرته لاحقاً بالقول: "كأنني أكتب نهراً".
النهر الذي تدفّق في أعمال عدنان (1925 ــ 2021)، سيجاوره في ما بعد جبل تامالبايس، المنظر الذي كانت تشاهده من منزلها خلال االفترة التي عاشتها في سوساليتو بكاليفورنيا خلال الثمانينيات، حيث ظلّت تستحضر هذين العنصرين بأشكال لا حصر لها.
يتزامن المعرض مع معارض أخرى تقام في نيويورك وباريس
"خلف خطّ الأفق" عنوان معرض إيتيل عدنان الذي افتتح في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي في "مركز الإبداع الأندلسي المعاصر" بمدينة قرطبة، ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري. المعرض الذي انطلق قبل رحيل الفنانة بثلاثة أيام يضمّ ستّيناً من أعمالها، معظمها من العقدين الأخيرين.
ليست هذه الاستعادة الوحيدة للفنانة، إذ تقام حالياً عدّة معارض في "غاليري لولون للفنون المعاصرة" بنيويورك، وفي فرع "مركز بومبيدو" بمدينة ميتز الفرنسية؛ معارض تضيء تجربة استمرّت حوالي ستّة عقود وظّفت خلالها عدنان وسائط مختلفة بما فيها الرسم والتصوير والطباعة والفيديو والخزف والنسيج.
الصدفة التي قادت الفنانة السورية اللبنانية إلى الفن حرفت مسار حياتها من مدرّسة للفلسفة في "جامعة كاليفورنيا الدومينيكانية" بين نهاية الخمسينيات ومطلع السبعينيات، حيث رسمت أشكالها الهندسية التجريدية الأولى والتي تعكس في ظاهرها مناظر طبيعية اعتادت على رؤيتها، لكنها كانت تؤكّد دائماً أنها ترسم عوالمها الداخلية.
تبرز عناصر من الثقافة العربية تمّسكت بها عدنان على نحوها الخاص في كتاباتها وأعمالها الفنية، من دون ضجيج وشعارات. أمرٌ عبّرت عنه في مقال بعنوان "أن تكتب بلغة أجنبية"، حين استرجعت كيف كان يُنظر إلى العربية بوصفها لغة "متخلّفة" في المدارس الفرنسية التي تعلّمت فيها بلبنان، وكان التحدّث بها يستوجب العقاب، حتى اصطدمت بفظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وأنه لم يعد ممكناً الكتابة بلغة تمارس صراعاً ضدّها.
ثمة حضور أكبر لذاكرتها وتراثها في العديد من أعمالها، خاصّة المنسوجات التي خُصّص لها ركنٌ في المعرض، والتي نفّذت العشرات منها يدوياً من خلال فريق متخصّص عمل معها لسنوات. ويظهر تأثّرها بصناعة السجّاد في الشرق، والإيراني منه خاصّةً، وكذلك في الحروفيات العربية التي استخدمتها في مطويّات عدة تضمّنت قصائد لبدر شاكر السيّاب وأنسي الحاج وعبد الوهاب البياتي وآخرين.
في المعرض، أيضاً، احتفاءٌ بخزفياتها التي شكّلت وسيطاً مهمّاً في رحلتها، حيث أنجزت جدارياتٍ من السيراميك، التي تدور في موضوعها حول الطبيعة، لتطوّر من خلال تقنيّاتها المتعدّدة معجماً بصرياً خاصّاً بها شكّل لها مساحة لا متناهية من حركة الخطوط والإيقاعات، ضمن بحثها حول العلاقة بين الجسد المتشكّل من تضاريس الطبيعة والإنسان وبين الهوية العابرة للأمكنة والثقافات.