في العاشر من الشهر المقبل، يُختتم في "المتحف الفلسطيني" ببيرزيت (25 كلم شمال القدس المحتلّة) معرض "بلدٌ وحدُّهُ البحرُ: محطّات من تاريخ السّاحل الفلسطيني (1748 - 1948)"، والذي انطلق في أيلول/ سبتمبر 2021، ويتناول صعود عكّا في منتصف القرن الثّامن عشر، عبر نماذج من التاريخ السّياسي والاقتصادي والعُمراني قبل تكوُّن مفاهيم الدولة الحديثة.
كما يتتبّع المعرض بروز مدينة يافا في القرن التاسع عشر، والتّركّز التدريجي في الاقتصاد ورأس المال في مدن السَّاحل، وما رافقهُ من تنامٍ للنّفوذ الأوروبي منذ منتصف القرن التاسع عشر، والذي قاد في القرن العشرين إلى النّكبة.
يستعد المتحف لإطلاق معرض ثانٍ يضيء التاريخ والثقافة الفلسطينيَّين، حيث يُفتتح بداية العام المقبل معرض "الأرضُ المُغنَّاة: عن الإنسان والموسيقى في فلسطين"، الذي تحاور فكرته "تجلّيات المكان كنتاجٍ للمُمارسة الموسيقيّة من قِبل فلسطينيّين، وكخلاصةٍ للتفاعل بين الفلسطيني وواقعه"، بحسب المنظّمين.
يقدّم المعرض، الذي يشرف عليه القيّم الضّيف أحمد الأقرع، قراءة في المُمارسات الموسيقيّة في فلسطين، ويستكشف الطُّرُق التي طوّع خلالها ممارسو الموسيقى ألحانهم ونغماتهم ليرسموا لفلسطين وعنها صورًا شخصيّة وجمعيّة، وتحاور الموسيقى فلسطين، لتصبح أداة للتعبير عن العلاقات والحوارات والتجارب المتداخلة لسكّانها ولآخرين ناصروها، وستُنسج من خلالها تجلّيات مكانيّة مُتخيّلة عدّة تُترجم هذه التجارب، وتروي قصّة الفلسطيني بارتباطها بما أنتجه من موسيقى، وما احتضنته من تمثّلات لهويّته، لترسم بذلك معالم تاريخه ومستقبله.
كيف طوّع ممارسو الموسيقى ألحانهم ليرسموا لفلسطين صورًا شخصية وجمعيّة
ويُمكن تعريف المكان للفلسطيني، كما يتبنّاهُ المعرض، على أنّه "كيانٌ من الفعل المُغيِّر والمُحتوي على تاريخٍ ما". استُنبِطَت هذه الأماكن من خلال قراءة وتحليل أرشيفاتٍ موسيقيّةٍ وموادّ صوتيّةٍ ومرئيّةٍ وأدبيّاتٍ ووثائق تاريخيّةٍ، لتُمسي الموسيقى، ضمن هذا السّياق، أداةً لاستحضار المكان الفلسطيني الذي نراه تارةً واقعيًّا، وتارةً حنينيًّا، وتارةً أخرى موازيًا".
ويبرز المكان الحنيني الذي استحضرته بعض المُمارسات الموسيقيّة في فلسطين كنتاجٍ للعلاقة التي نُسجت بين العاطفة من جهةٍ، والواقع الذي تشرذم بفعل عوامل سياسيّةٍ أو اجتماعيّةٍ أثّرت على سيرورة حياة الفلسطينيّين من جهةٍ أخرى، وفق الموقع الإلكتروني للمتحف، حيث يشير إلى أن المعرض يروي في هذا القسم قصّة المكان الذي خُلق من وحي الذاكرة، والذي التجأ إليه الفلسطيني ليتحرّر من واقعه، مُستعيرًا عناصر من مشهده المسلوب، من مدينته وقريته، ومن ثورته، ومن بيته ومنفاه.
أما المكان الواقعي فيحضر في المُمارسات الموسيقيّة كمرآةٍ تعكس صورة الإنسان الفلسطيني ومجتمعه، الذي تتمازج في ثناياه النظم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وتتجلّى في حدوده الأرض والمشهد الطبيعي بصورهما المختلفة. خُلق المكان الواقعي في مُمارسات الموسيقى في فلسطين من خلال تفاعل الفلسطيني مع واقعه المكاني، ويحاور هذا القسم، من خلال الموسيقى، ثلاثة تجلّياتٍ ذات دلالاتٍ واقعيّةٍ، فسيستكشف البعد السياسي للمشهد الطبيعي، والأغنية الثوريّة، وموقع فلسطين الديني بالنسبة للعالم.
ويمكن فهم المكان الموازي الحاضر في المُمارسات الموسيقيّة في فلسطين على أنّه عالمٌ آخر خُلق حول بؤرٍ مكانيّةٍ ذات خصوصيّاتٍ مختلفةٍ عن محيطها، وتتجلّى فيها معانٍ ذات دلالاتٍ مُغايرةٍ عمّا هو خارجها، ويستكشف هذا القسم دور المُمارسات الموسيقيّة لدى الأسرى، إضافةً إلى المُمارسات الموسيقيّة حول مقامات الأولياء والبُكائيّات والمُمارسات الموسيقيّة البديلة، مثل الراب والتراب والموسيقى الإلكترونيّة.