"فتاةٌ جميلةٌ تَختبئُ بين أوراق الشَّجر"
وقبل أنْ أزحفَ، بجلدي اللَّامع، على بَطني،
تاركةً خُطوطاً مُتعرِّجة بين الأعشاب
وعلى راحات العابرين، مُنحَنِي القامة،
كنتُ أمُدُّ ذِراعاً ناعمة
لألتقِط أشهى الثمار وأنضجَ القفائر،
وكنتُ، إذ أتعبُ مِن الجَوَلان بأطرافِ الغابة،
أرتمي في مياهٍ خَضراء وأسبحُ.
لا شيء كان يُزعجني أو يَفرُّ مِن لمسة يَدي
لا شيء يَصمدُ أمام ضحكتي الصافية
وشَعري المتطاير
كأغصان مُثقلةٍ بالتوت الأسود،
إلى أن اهتدَى، يوماً، إلى حُجرة نومي
مَلِكُ يُتقِنُ حِرفةَ السيف والقلم،
تَدينُ له مملكةُ الأرض
وأطرافٌ واسِعة مِن مملكة السماء.
وضَعَ القيدَ في يَدَيّ،
وأمَرَني أنْ أتبعَه، وَأنْ لا ألتفِتَ إلى حُجرتي
ومُشطي وأدوات زينتي،
إلى حياتي التي تركتُها في البحيرة
وعلى صندوق سرير النوم
ولمَّا ضاق ذَرعاً بِحيَلي الصغيرة على امتداد طريقٍ طويلةٍ،
غطّاها الليلُ منذ أكثر مِن ألف عام،
سَحبَ بُذوراً سوداء من جِرابِه السِّري،
ألقى بها في نارٍ أوقدَها بضربةِ سيفِه على الصخرة،
وَنثرَ كلاماً غامِضاً سَعتْ بِه الرياح
مِن يَومِها، صِرتُ أزحف إلى "أين"،
فقدتُ شَعري ويَدي راعيَة توتِه الليلي
ونما لي ذيلٌ طويلٌ، التهمَ ساقيَّ الجميلتين
اللتين طالما فُزتُ بهما
على الأيائل والزرافات.
لولا هذا الشحّاذ المعتدُّ بنفسِه
الذي تَوَهَّم هُبوط كلماتٍ مِن الأعلى
توَّجتْه مَلِكا،
لولا هذه الشرذمة من الأدعياء
الذين يَرتدون مُسوحاً وأردية ملوَّنة
ويَسيرون مُتّكئين على عِصيٍّ ذهبية،
وفي الليل يَركنون إلى دَفاترِهم الصغيرة
لِيَقرأوا ويَكتبُوا ويهمهموا،
لمَا هبطتُ من فردوسي
لمَا اقتربتُ من أسوار الممالك
لمَا زَحفتُ في كلام الآلهة
ولما كنتُ الأفعى المُوَسوِسة
ولا الثعبان الذي يَسرِقُ الأطفالَ مِن مُهودهم،
قبل أنْ يَكبروا
قبل أنْ يَعبروا الجبالَ والوديان
ليبنوا القِلاع وصروح المدن.
فتاةً جميلة كنتُ،
شعراؤكم الذين يهيمون في الكتب والتراتيل
يَشهدون بذلك
وما زحفتُ على بطني فوق التراب
وعلى المياه،
إلّا لأني فقدتُ مأوايَ الداخلي
ونفسي العميقةَ التي كنتُ بها ألوذُ،
كُلَّما تَوهّجتْ فوق غُصنيَ الشمسُ
أو تضمَّخَ القمرُ بالدَّم.
* شاعر من المغرب