في كتابه "أسلافنا العرب: ما تدين به لغتُنا لهُم"، الصادر عام 2017، أوضح المعجميُّ الفرنسي، جان بروفو (1949) أنّ الكلمات من أصول عربية في الفرنسية المعاصرة أكثرُ بكثير من تلك التي تعود إلى لغة بلاد الغال القديمة، ومِن هنا اختار عنوان الكتاب الذي يبدو مقابِلاً لعبارة "أسلافنا الغال".
صدر العملُ بالعربية عام 2019، عن "دار الموسوعات العربية"، بترجمة أنجزها الأكاديمي محمد خير محمود البقاعي، ويُنتظَر أن يصدر في ترجمةٍ جديدة يشتغل عليها، حالياً، الحبيب النصراوي؛ أستاذُ التعليم العالي في "جامعة قرطاج" بتونس العاصمة، والذي كان ضيفاً على سيمنار "برنامج اللسانيات والمعجمية العربية" نظّمته، أمس الخميس، كلّية العلوم الاجتماعية والإنسانية في "معهد الدوحة للدراسات العليا".
حملت الفعالية، التي قدّمها رئيس "برنامج اللسانيات والمعجمية العربيّة" حسن حمزة، عنوان: "العربيّة ودورها في التواصل بين الشرق والغرب من خلال شهادات بعض القواميس الفرنسية"، وفيها قدّم النصراوي قراءةً في الكتاب الذي يترجمه تحت عنوان "أسلافُنا العرب: ما تدين به الفرنسية إلى العربية"، متطرّقاً إلى ما يتضمّنه من أدلّة على مكانة اللغة العربية في اللغة الفرنسية وغيرها من اللغات الأوروبية.
الكلمات العربية في الفرنسية المعاصرة تفوق تلك التي تعود إلى لغة بلاد الغال القديمة
يُحاجج النصراويّ بأنّ هذه المكانة تُشير إلى القيمة المعرفية والحضارية والثقافية للغة العربية في ماضي هذه الحضارات، مستهلّاً مداخلته بتشخيص مشكلة تُجابه العربيةَ اليوم؛ تتمثّل في أنّها تقع بين "متطرّفَين": الأوّل مغالٍ بها، لا يطوّرها، والآخر يُنكر قدرتها على مواكبة العصر، مؤكّداً على أنّ اللغات تُقاس بقدرتها على التوليد والتجديد، وهو ما يناقشه كتاب جان بروفو.
استعرض النصراويّ فصول الكتاب، مقسّماً مضمونه إلى ثلاثة محاور أساسية؛ يشتمل أولها على استعراض آراء مفكّري الغرب وكتّابه وعلمائه حول جمالية اللغة العربية، وشموليتها، ومقدرتها على التطوُّر، مقدّماً استعراضاً تاريخياً تدعمه وثائق علمية تؤكّد ذلك.
في المحور الثاني، يتوسّع الكتاب في الفكرة السابقة، مُبيّناً مكانة اللغة العربية العالمية، والخصوصية الثقافية والتاريخية الحضارية التي حُمّلت بها، ونقلتها إلى باقي اللغات، ليُقدّم بعد ذلك أكثر من 500 كلمة فرنسية، لم يكن بعض أصولها العربيّة معروفاً للفرنسيين والعرب على حد سواء، مستشهداً بها في تقصّي ما مثّلته العربيةُ من تفوُّق علمي وثقافي وتقدُّم حضاري.
يوضّح أستاذ التعليم العالي في "جامعة قرطاج" التصوُّر الذي سعى جان بريفو إلى إيصاله لقرّائه عن اللغة العربية، وذلك عبر استعراضه للمقارنة التي أجراها بين أثر الإرث الحضاريّ المحدود لبلاد الغال، التي ينتسب إليها الفرنسيّون، على اللغة الفرنسية الحديثة، بالمقارنة مع الأثر الكبير الذي تركته اللغة العربية عليها.
وأشار الأكاديمي والمترجم التونسي إلى أنّ الكاتب استعار عنوان كتابه "أسلافنا العرب" ليشير إلى فكرة الإرث اللغوي الضئيل للأسلاف الغاليين لفرنسا، بالمقارنة مع الأثر الذي تركته اللغة العربية، مختتماً مداخلته بالتأكيد على البعد العالمي للغة العربية التي امتدّت بامتداد الحضارة والثقافة الإسلاميّتَين، وأثّرت في العديد من اللغات التي تاخمتها؛ مثل اللاتينية والإسبانيّة.