استمع إلى الملخص
- تتميز أعمال بيدة بتجريدية الأجساد التي تبدو كأطياف، حيث يدمج الضوء ليمنحها بُعداً سوريالياً، مع إيحاءات إيروتيكية، دون تحديد جنس محدد، مما يعكس رؤيته للجسد المطلق.
- وُلد بيدة في قرقنة، ودرس الفنون الجميلة، وحصل على الدكتوراه من السوربون، وله دراسات عديدة في الفن والجماليات.
حتى السادس عشر من الشهر المقبل، يتواصل في رواق "دار الفنون" بحيّ البلفيدير في تونس العاصمة معرض "حوائيات" للفنان التشكيلي والباحث التونسي الحبيب بيدة (1953)، الذي افتتح عند الخامسة من مساء أول أمس السبت.
في إحدى اللوحات المعروضة، تغطّي خطوط رمادية أجساداً بشرية عارية تتوسّط العمل وكأنها شاشة أو مركز الرؤية بينما تحضر حيوانات وطيور في أعلى اللوحة وأسفلها أيضاً، في دعوة للمتلقّي أن يشارك في تخييل الجسد أو الحلم به.
استقرّت هذه الأجساد في معظم أعمال بيدة ضمن تجربته التي تمتّد منذ أكثر من أربعة عقود، والتي تظهر دون أن تنتسب لعصر محدّد أو مكان متعيّن، إنما هي تسبح في فضاء مُنبتّ عن الواقع حيث لا يريد أن يتطابق الجسد في اللوحة مع حقيقته البشرية.
يغدو الضوء جزءاً من تشكّل الجسد ذاته ليبدو غير مرئي أو متوهّم
ووفق هذا التكوين، يصبح الضوء عنصراً أساسياً في اللوحة ويمنحها بُعداً سوريالياً كما يغدو جزءاً من تشكّل الجسد ذاته ليبدو غير مرئي أو متوهّم، فتارة يطير أو يقفز في الهواء وتارة يتّكئ على الفراغ، ويكون التعامل مع اللون وحساسيته لإبراز هذه المشهدية التي تحتوي أيضاً كائنات حيوانية أسطورية.
ولطالما أطلق بيدة على أجساده تسمية "الأطياف" في تكريس لرؤيته التي تعتمد على رسمها بأسلوب يقترب من التجريد لكنها تعكس إيحاءات إيروتيكية، كما لا يمكن التمييز بشكل قطعي بأنها أجساد أنثوية أو ذكورية في لعبة ثانية تراكم الفكرة المطلقة للجسد الذي يرتقي فوق الطبيعة أو يسمو عليها، عبّر عنها في معارضه السابقة.
لكن هذا المعرض يقدّم اختلافاً في منطور الفنان للجسد المطلق، إذ يظهر في لوحة جسدان يشيران إلى رجل وامرأة في الجنة وهم يقضمان ثمرتين حمراوتين في إحالة إلى قصة آدم وحواء في الأديان والميثولوجيا القديمة، وتحيط بهما حيوانات وأطياف غير واضحة المعالم، وتتكرّر مفردات الجنة في لوحات أُخرى.
يُذكر أن الحبيب بيدة ولد في جزيرة قرقنة التونسية، وتخرّج من "مدرسة الفنون الجميلة" في العاصمة عام 1977، وحاز الدكتوراه في علم الجمال والفن عن أطروحته "فن وخط وزخرفة المخطوط القرآني من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر" سنة 1980، وأقام معرضه الأول في السنة نفسها، ثم نال درجة الدكتوراه من "جامعة السوربون" عن أطروحة بعنوان "مفهوم تقليد الطبيعة في الفن العربي الإسلامي"، وأصبح أستاذاً جامعياً في "المعهد التكنولوجي للفن والهندسة المعمارية والتعمير" بتونس، ولديه العديد من الدراسات منها "صورة الإنسان الكامل في الخط العربي"، و"المفردة في الفنون التشكيلية"، والممارسات التشكيلية التونسية المعاصرة، مفاهيم آيديولوجية، إشكاليات شكلانية".