منذ أكثر من أسبوعين والمشتغلون في الحقل الثقافي في فرنسا تتعلّق أنظارهم بتاريخ واحد: اليوم الأربعاء، التاسع عشر من أيار/ مايو، وهو اليوم الذي كانت الحكومة قد حدّدته موعداً لعودةٍ تدريجية للحياة إلى طبيعتها، بما في ذلك إعادة فتحٍ للفضاءات والأماكن الثقافية، من مسارح وصالات فنون تشكيلية وسينما ورقص وقاعات موسيقى.
هذا الإغلاق، المستمرّ منذ أكثر من شهر، كان حلقةً جديدة في سلسلة من توقّف النشاطات الثقافية تعرفها البلاد منذ ربيع العام الماضي بسبب جائحة كورونا. ورغم أنّ بعض الفضاءات الثقافية نجتْ هذا العام، بشكل نسبيّ، من أضرار هذا الإيقاف، كما هو حال مكتبات البيع والمكتبات العمومية، إلّا أنّ جلّ المشهد الثقافي في البلاد عرف عاماً استثنائياً، جرى فيه إلغاء أو تأجيل أغلب العروض والبرامج والمهرجانات.
وما إن أعلنت الحكومة، على لسان أكثر من متحدّث باسمها، قبل أسبوعين، اليومَ الأربعاء موعداً للخروج من الإغلاق، حتّى سارعت المتاحف والمسارح وصالات السينما إلى الإعلان عن استكمالها برامجها المتوقّفة، أو إطلاقها لبرامج جديدة، مع توفّر منظورٍ أوضح للشهور القادمة، والتي ستشهد عودةً تدريجية للنشاط الثقافي، تبدأ بقبول الأماكن الثقافية لثلث أو نصف عدد زوّارها المعتادين، ليصبح في إمكانها استقبال الجمهور بشكل اعتيادي بحلول الصيف، نهاية الشهر القادم.
ومن الأحداث الجديدة اللافتة، التي بُدِئَ باستقبال الزوّار صباح اليوم فيها، معرضُ "نجمات: من أم كلثوم إلى داليدا"، الذي ينظّمه "معهد العالم العربي" في باريس حتى السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول المقبل، ويقدّم فيه إطلالة شاملة على نجمات الغناء والسينما العربيات في القرن العشرين، مثل فيروز وأسمهان وليلى مراد ووردة الجزائرية وسامية جمال وسعاد حسني وصباح.
ويمكن لزوّار المعرض أن يدخلوا أجواء هذا "العصر الذهبي" للموسيقى والسينما العربيّتين عبر دخول جوّ تتألّف عناصره من صور (بعضُها لم يسبق عرضه من قبل) وملابس وأغراض شخصية للفنانات وألبومات غنائية وأفيشات أفلام ومقاطع سينمائية ونُسَخ من مقابلات صحافية. كما يركّز المعرض على التاريخ الاجتماعي والفني والفكري منذ بدايات القرن الماضي وحتى سبعينياته، لا سيّما في القاهرة وبيروت.
ومن الفعاليات البارزة، أيضاً، معرضٌ استعادي شامل يقيمه "مركز بومبيدو" في باريس للمخرج الإيراني عباس كيارستمي، تُعرَض فيه كلّ أعماله السينمائية البالغ عددها 46، واشتغالاته في التصميم والتصوير الضوئي، مع إطلالةٍ على بعض من مقتنياته الشخصية وصور لمشغله الإبداعي في طهران وأخرى لبعض العناصر التي تكرّر حضورُها في أفلامه، مثل الحافلة القديمة التي استخدمها في "ثلاثية كوكر" الشهيرة.
كما يعيد "مركز بومبيدو" فتح أبواب عدد من معارضه التي توقّفت بسبب فترة الإغلاق، وأبرزها معرضان، الأوّل استعاديّ للفنان المغربي فريد بالكاهية، والثاني يقدّم نظرة شاملة على أعمال فنّانات رائدات في الرسم التجريدي خلال القرن العشرين.
أمّا سينمائياً، فقد سجّلت بعض صالات السينما اليوم أرقاماً وصفتها بـ"التاريخية" على مستوى عدد الحضور في صباح يومٍ مثل يوم الأربعاء، كما حدث في صالة "لي هال" وسط باريس، والتي اضطرّت للطلب من بعض الراغبين بمشاهدة الأفلام إلى القدوم في يوم آخر، بسبب الضغط الكبير بالنسبة إلى صالة لا يمكنها استقبال أكثر من نصف عدد المشاهدين العادي.