ظلّت العملات الفارسية والبيزنطية متداولة في عصر صدر الإسلام، مع محاولات عديدة لتعريبها عبر إضافة عبارات مثل "الله أكبر" و"لا إله إلا الله"، حتى تولّى عبد الملك بن مروان الخلافة، حيث سكّ أول دينار إسلامي خالص، ونقش عليه صورته وشهادة الإسلام في نهاية القرن السابع الميلادي.
حتى السادس والعشرين من آذار/ مارس المقبل، يتواصل في "معهد العالم العربي" بباريس معرض "كنز من ذهب: الدينار في كل عهوده" الذي افتتح في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، ويقام على هامشه مشغل للسكّ يضمّ ورش عملٍ لتعلّم أصول سكّ النقود ومراحلها كافة.
يضمّ المعرض أكثر من ألف قطعة نقدية سُكّت بين القرنين السابع والتاسع عشر ميلادي. وتقدّم كل قطعة شرحاً حولها يضمّ الآيات القرآنية المنقوشة عليها، وتاريخها، وعهد الحاكم الذي سُكّت خلاله، إضافة إلى المشغل المسؤول عن السكّ.
تُعرَض نماذج من الدينار الأموي الذي جرى تداوله في حدود جغرافية شاسعة تمتدّ من الأندلس إلى حدود الصين، بعدما كان المسلمون يتداولون إلى حينها بالـ"سوليدوس" البيزنطي، بحسب بيان المنظّمين، الذي يشير إلى أن العملة الموحدة انهارت مع ضعف الدولة العباسية، وتفكّكها إلى ولايات محلّية مستقلّة، سكّت كلُّ واحدة منها عملتها. ومع مرور الزمن، تنوّع الدينار بتبدّل الحكّام وصورهم المنقوشة عليه، وبتميّز الآيات القرآنية المكتوبة حسب مذهب الحاكم.
يضيء المعرض البعد الفني للمسكوكات خلال العهود الأموية والعباسيّة، والإمبراطوريتين العثمانية والصفويّة، مروراً بالغزو المغولي، حيث تعكس النقوش على الدنانير العربيّة والنسخ التركية والفارسية والهندية منها، فنّ الخطّ بتنوعه، وتشهد المنمنمات فيها على الحرفية العالية للفنانين الذين صاغوها.
ويبيّن أيضاً كيف أن دقة النقش، ونوعية الخطوط والرسوم، وانحناءات العملة تغيّرت في عصور لاحقة حسب حرفية الساكب وموضع السكّ بين عوالم العرب والفرس والترك والهند، إلى أن وصل السكّ الميكانيكي في أواخر القرن التاسع عشر.
يشار إلى أن مسار المعرض، من حيث الزمن، يمتدّ لنحو ألف وثلاثمئة عام، والموضوع يبرز بوضوح ندرة عدد لا بأس به من قطع المجموعة التي لم يعد يوجد منها سوى نموذج واحد أو ثلاثة على الأكثر.