هل يُمكن اعتبار الشعر الملحون مصدراً لكتابة التاريخ؟ بالنسبة إلى المشاركين في اليوم الدراسي الذي أُقيم أمس السبت في "قاعة فرانز فانون" بالجزائر العاصمة بعنوان "أغنية الشعبي تعبيراً للشعر الملحون"، فإنَّ الإجابة هي نعم، خصوصاً حين يتعلّق الأمرُ بالقصائد التي نُظمت خلال فترات المقاومات الشعبية التي شهدتها الجزائر طيلة المرحلة الاستعمارية، ثمّ خلال فترة حرب التحرير.
أُقيم الملتقى ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة من "المهرجان الوطني للأغنية الشعبية" التي تُختتم غداً الإثنين، بمشاركة باحثين مختصّين في مجال التراث والأدب الشعبيّ، والذين تحدّثوا عن "ضرورة جمع وتدوين ذاكرة الشعر الملحون"، وأهمّية تصنيفه من قِبل "يونسكو" ضمن قائمتها للتراث الإنساني.
وقال الباحث في التراث، محمد بلعربي، إنّ الشعر الملحون "عنصرٌ أساسي من التراث والهوية الوطنية، حيث أنّ شعراء الملحون كانوا، في عدّة مراحل من التاريخ الوطني، شهوداً على الأحداث المصيرية، وساهموا بذلك في كتابة محطّات مهمّة ساهمت في الحفاظ على عناصر الهوية الوطنية".
وفي مداخلته، اعتبر الباحث في التراث الشعري الملحون، ياسين خالد شهلال، أنّ أهمّية تدوين وجمع وتصنيف هذا التراث الشفوي، تكمن في كونه "وثيقة حيّة تُسهم في التأريخ لمختلف المراحل التي عرفتها الجزائر، ولمقاومتها ضد الاستعمار، باعتبار أنّ الشاعر كان شاهداً يجمع المعلومات التاريخية ويؤرّخ لها عبر قصائده الشعرية، ليحفظ بذلك أجزاء مهمّة من الذاكرة الجماعية".
من ناحية اُخرى، أشار شهلال إلى وجود العديد من الدلائل التاريخية والعلمية والتقنية التي تعود إلى القرن العاشر الهجري، والتي تؤكّد على أنّ "الشعر الملحون"، ظهر في مستغانم (غرب الجزائر) على يد الشاعر الجزائري سيدي لخضر بن خلوف، مُضيفاً أنّ عدداً من الشعراء البارزين في هذا المجال في المغرب العربي، مثل عبد العزيز المغراوي، ومحمد النجار الحسني، ومبارك السوسي، والشيخ بولطباق، أكّدوا من خلال إحالات قصائدهم، على أنّ بن خلوف - الذي كانَ أوّل مَن أدخل تغييرات جذرية في بنية القصيدة العمودية وفي أوزانها - هو مؤسّس هذا النوع الشعري، وأنّه شكّل مرجعيتهم الأساسية.
ودعا المتحدّث، في هذا السياق، إلى "إعداد ملفّ لاقتراح تصنيف هذا التراث الشفوي الشعبي ضمن قائمة التراث اللامادي العالمي، لحمايته وللتأكيد، بالأدلّة التاريخية المختلفة، على جزائرية هذا الجنس الأدبي".
وفي مداخلته التي حملت عنوان "مساهمة الشعر الملحون في كتابة التاريخ"، اعتبر الباحث عمّار بلخوجة أنّ "تراث الشعر الملحون وقصائد فحول الشعر الشعبي تختزن الذاكرة الجماعية والثقافة الوطنية، وتشكّل مصدراً جوهرياً من مصادر كتابة التاريخ الوطني"، مُضيفاً أنّ على الباحثين الجامعيّين "الغوص أكثر في هذا التراث لحمايته من الاندثار"، داعياً، في هذا السياق، إلى "إدراج قصائد التراث الشعبي وأعلامه ضمن المناهج الدراسية".
من جهته، تطرَّق الباحث في التراث الشعبي، عبد القادر بن دعماش، إلى الصعوبة التي تعتري البحث في الشعر الملحون والتراث الشعبي الشفوي بشكل عام، معتبراً أنّ أحدَ أوجه تلك الصعوبة تكمن في "عدم الاستناد إلى المعايير العلمية".
وذكر بن دعماش أسماء لشعراء أسهمت نصوصهم في الإضاءة على محطّات تاريخية بارزة في الجزائر؛ مثل المتصوّف سيد لخضر بن خلوف الذي أرّخَ بقصيدته لـ"معركة مزغران" (1558) في مستغانم ضدّ الغزو الإسباني، والشيخ محمد بلخير الذي رافق الشيخ بوعمامة في ثورته الشعبية، والطاهر بن حوّة الذي عاصر الأمير عبد القادر الجزائري.