تحت عنوان "المكتبة كمحرك للتغيير في الوضع الطبيعي الجديد"، أقامت "مكتبة عبد الحميد شومان" في عمّان، قبل أيام، ندوة افتراضية تبحث في عمل المكتبات في ظل جائحة كورونا، شارك فيها تون فان فليميرين؛ مدير مكتبة أوتريشت العامة في هولندا، وجون زابو؛ وهو مكتبي في مكتبة لوس أنجليس العامة، إلى جانب فالنتينا قسيسية؛ الرئيسة التنفيذية لمكتبة شومان.
في البداية، قدّم فليميرين ورقةً بعنوان "إعداد المكتبات لأجندات ما بعد كوفيد: تجارُب ودروس للمستقبل"، وقال: "أود أوّلاً أن أطرح سؤالَ إن كانت المكتبات العامة في أوروبا أُغلقت فعلاً خلال جائحة كورونا. ويُمكن طرح السؤال نفسه على المكتبات هنا أو في أي مكان في العالم؛ فإذا ألقينا نظرة فاحصة على ما حدث بالفعل، رأينا أن هناك نشاطاً كبيراً، وأنَّ العديد من المكتبات وسّعت من عروضها وصِلاتها مع مستخدميها، وقدّمت المزيد من إمكانيات الوصول إلى المجموعات الرقمية، بل وقدّمت معلومات صحية حول كوفيد-19".
وأشار المتحدّث إلى أنَّ المكتبات استَخدمت تطبيقات جديدة وأنشأت أُخرى، وأنها "تبذل جهداً كبيراً في تقديم الخدمة للمسنّين من خلال المكالمات الهاتفية وتوصيل الكتب إلى المنزل. وكان الأمر مماثلاً في تعامل المكتبات مع الأطفال الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى مدارسهم، فتعاونت بإتاحة مجالها لهم، لاستخدامه للتعلّم عن بُعد".
يرى فليميرين أنّ المكتبات "كانت مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، وهذه أخبار جيّدة؛ حيث كشف الوباء عن شغف العاملين فيها للوصول إلى المجتمع وتقديم الخدمات. وفي حين أن أمناء المكتبات يوصفون عادةً بأنهم محافظون، فإنَّ الظرف الاستثنائي الذي مرّوا به كشف أنهم مبتكرون ولديهم قدرة على التعلّم السريع للتجاوب مع الحالات الطارئة".
أظهرت الأزمة قدرة أمناء المكتبات على أن يكونوا مبتكرين وخلّاقين
وذكر المُحاضر أنَّ الصعوبات كانت في التحكُّم في مرتادي المكتبة من حيث التزامهم بالإجراءات الوقائية؛ مثل الكمّامات والقفّازات والتعقيم، إلى جانب صعوبة واجهها العاملون في الاعتياد من جديد على وجود قرّاء ومرتادين للمكتبة التي بقيت خالية لشهور، فعادةً ما يُبادر موظّف المكتبة بالاقتراب من القرّاء والباحثين وتقديم النصيحة لهُم، والآن عليه أن يبقى على مسافة آمنة منهم. وهؤلاء الذين أصابهم التوتر وفرت لهم المكتبات استشارات نفسية. لكن الأهم أنّ المكتبات عرفت فترة من التفاعل الكبير مع المجتمعات.
المكتبات في الأزمة، كما يقول فليميرين، تُعاني أيضاً على عدّة مستويات؛ فهي على أرض الواقع مغلقة كمكان، ثم كيف يعيش موظّفوها ومن يفقد منهم عمله، وكيف تُنتَج الخدمات في فترة الحجر، كلّها أسئلة واجهتها المكتبات وتصارعت معها إلى جانب التفكير في الميزانية وصعوبات تخفيضها والبحث عن تمويل.
يذكر المحاضر أنه "يتعيّن علينا التفكير في ما إذا كنا نتوقّع حدوث شيء كهذا مرّةً أُخرى؛ فما الذي يعنيه بالنسبة للتخطيط للمباني على سبيل المثال. كما تعلّمنا أنه إذا لم تكن لدينا مهارات رقمية لا يمكننا توصيل الخدمات المتاحة أو الوصول إليها، وهذا يؤدي إلى حالة من عدم المساواة".
بدوره، تحدّث جون زابو من مكتبة لوس أنجليس العامّة، قائلاً: "نحن المكتبة العامّة التي تخدم مدينة لوس أنجليس، فنحن نخدم مساحة جغرافية كبيرة جدّاً تبلغ مساحتها 503 أميال مربّعة، ولكننا نخدم أيضاً جميع سكّان ولاية كاليفورنيا، ويمكن لهم جميعاً استخدام 73 موقعاً للمكتبة، بما في ذلك المكتبة المركزية، بعضها مفتوح سبعة أيام".
تعلّمنا أنه إذا لم تكن لدينا مهارات رقمية لا يمكننا توصيل الخدمات المتاحة أو الوصول إليها
وأضاف: "بدأ أمناء المكتبات في تقديم برامج افتراضية؛ حيث يوفّرون خدمة للشباب توفّر وقتاً افتراضياً نوعياً، كما يقدّم أمناء المكتبات لدينا خدمات للأحياء الصغيرة وللأفراد أيضاً. وقد وفّرنا الكثير من البرامج للاستفادة منها في جميع أنحاء المدينة؛ بعضها برامج بلغات أخرى وباهتمام واسع. وجدنا في الواقع أنّ هناك أشخاصاً من جميع أنحاء الولايات المتّحدة وعبر العالم ينضمّون إلى برامجنا منذ الأيام الأولى للوباء في شهر آذار/ مارس".
من جهتها، ذكرت فالنتينا قسيسية، في مداخلتها، أنَّ "مكتبة شومان" اتّخذت عدّة خطوات مهمّة منذ آذار/ مارس الماضي، فأنشأت منصّة للكتب المسموعة والإلكترونية، ومنحت اشتراكات مجّانية على منصّة "أبجد" للكتب العربية، واشتراكات مجّانية مؤقّتة لمساعدة الباحثين، إلى جانب تقديم قراءات لقصص الأطفال. كما لفتت قسيسية إلى المبادرات التفاعلية مع جمهور المكتبة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
وفي ما يتعلّق بفترة إغلاق المكتبات، قالت قسيسية: "بالنسبة إلى الحكومة، لم تكن المكتبات أولوية، فنحن مؤسسة لا تُدرّ دخلاً، ممّا جعلنا نُطلق حملة للمطالبة بفتح المكتبات، وعرضنا بروتوكولاً على الحكومة لفتح مكتبتنا. وبالفعل، جرى الاتفاق على معاودة الافتتاح".