كان أبو القاسم سعد الله (1930 - 2013) من الطلبة الجزائريّين الأوائل الذين حصلوا على شهادة عليا خلال الأشهر الأوُلى من استقلال بلادهم؛ إذ حاز شهادة ماجستير في التاريخ والعلوم السياسية من "جامعة القاهرة" عام 1962، ثمّ دكتوراه في التاريخ الحديث والمُعاصر من "جامعة مينيسوتا" بالولايات المتّحدة الأميركية عام 1965.
بعد ذلك، التحق سعد الله الذي سيُلقَّب بـ "شيخ المؤرّخين الجزائريّين" بـ جامعة الجزائر التي كانت، حينها، تعيش نقصاً كبيراً في المدرّسين الجزائريّين، بعد أكثر من 130 سنة من الاحتلال الفرنسي، كما كانت "المدرسةُ الفرنسية" تهيمن على كتابة تاريخ الجزائر. من هنا، اشتغل المؤرّخ الجزائري الراحل، في مساره الأكاديمي والبحثي، ضمن توجُّهين: تكوين جيلٍ من الباحثين الجزائريّين، والتأسيس لمدرسة تاريخية جزائرية تستند إلى البحث العلمي.
ولا شكّ أن سعد الله حقّق نجاحاً كبيراً في كلَا التوجُّهين؛ من خلال وضعه لعشرات المؤلّفات التي تناولت تاريخ الجزائر، وتاريخ أوروبا الحديث والمعاصر، وتاريخ المغرب العربي الحديث والمعاصر، وتاريخ النهضة الإسلامية الحديثة والدولة العثمانية، فضلاً عن تحقيقه لعددٍ كبير من المخطوطات، أيضاً من خلال التأثير الذي تركه في الكتابات التاريخية التي جاءت بعده.
هذه التجربة كانت موضوعاً لندوة حول المؤرّخ الجزائري الراحل، نظّمتها "المكتبة الوطنية الجزائرية" بالجزائر العاصمة أمس السبت، بالتزامن مع "اليوم العالمي للغة العربية".
في مداخلته، تحدّث الباحث في التاريخ، محمّد عبّاس، عن المسار العلمي لسعد الله وأبرز محطّات مشروعه المتمثّل في "تأسيس نواة مدرسة جزائرية لكتابة تاريخ الجزائر وفق منظور أصيل، لمجابهة المدرسة التاريخية الاستعمارية التي عملت على تشويه وطمس الهوية الجزائرية"، مُضيفاً أنّ المؤرّخ تميّز بإنتاجه الغزير منذ التحاقه للدراسة في "جامعة القاهرة" التي تخرّج منها سنة 1954 و"جامع الزيتونة" في تونس؛ حيث كان ينشر مقالاته في عدّة جرائد ومجلّات.
أمّا الباحث محند أرزقي فرّاد، فوصف، في مداخلته، سعد الله بأنّه "مؤرّخٌ وناقد سياسي، ومن رجالات الفكر البارزين وأعلام الإصلاح الاجتماعي والديني، وصاحب سجلّ علمي حافل، مشيراً إلى إسهاماته في "بناء مدرسة جزائرية لكتابة التاريخ، عملت على الدفاع عن الشخصية والهوية الجزائرية والتخلُّص من القراءة الفرنسية للتاريخ الوطني".
ودعا فرّاد إلى نشر كتيّبات تتضمّن الإرث الفكري والأدبي والسياسي، وتخصيص بعض من نصوصه ضمن البرامج الدراسية.
من جهته، وصف الكاتب محمد بوعزارة المؤرّخ الراحل بأنّه "مثقّف موسوعي نزيه متشبّع بأفكار جمعية العلماء المسلمين والحركة الوطنية الجزائرية، وكان شغوفاً بالتنقيب عن تاريخ الجزائر الثقافي، مضيفاً أنّه ترك إرثاً كبيراً من الكتب يتضمّن قرابة ستّين مجلّداً.