تُعتبر تجربة المصوِّرَين الفوتوغرافيين ماريا بليدا (1969) وخوسيه ماريا روسا (1970) مركزيّةً في التصوير الفوتوغرافي الإسباني. فمنذ أن بدأ هذا الثنائي الفني تجربته الفوتوغرافية المشتركة، منذ أكثر من أربعة عقود، شكّل عملهما واحداً من أكثر التحقيقات كثافةً وصرامة في المناظر الطبيعة والهندسة المعمارية، بوصفه مساحة للتاريخ والذاكرة.
أسّس الثنائي، عبر أعماله ومعارضه، لممارسات فنيّة تشكك في الشبكة المعقدة للمؤقتات التي تعبر حاضر المكان، وقد أكدا من خلال أعمالهما على نقش الوقت في المكان، انطلاقاً من زاويا مختلفة ومن أبعادٍ معاكسة بشكل أساسي، أكثر من الإشارة إلى آثار الماضي المرئية والمستقرّة.
ضمن هذا الإطار يأتي معرضهما الحالي "بليدا وروسا: المناظر والزمن"، الذي يستضيفه "متحف إيكو" في مدريد حتى العاشر من أيلول/ سبتمبر المُقبل، حيث يعرض الفنانان أعمالهما الكاملة والمشتركة في محاولة جديدة منهما لفهم التصوير الفوتوغرافي كحركة وقوة حاسمة في الرحلة الإنسانية عبر التاريخ.
سيلاحظ الزائر أن العديد من الصور المعروضة لها فعل الخرائط المادية والسياسية والجيولوجية التي تختصر الحقبات والعصور والقرون والأزمنة. فالصور، برمّتها تقريباً، عبارة عن مجموعة متنوّعة ومتغيّرة من المناظر الطبيعية التي تتضاعف كما لو كانت مشهداً واحداً: مناظر طبيعية، نفعية، عامّة، خاصّة ومنسية.
تحتوي بعض الصور المعروضة على خطٍ فاصل فيها يقسمها إلى نصفين متساويين تقريباً: الجزء السفلي المليء بالمعلومات، والذي يعمل عمل الذاكرة، حيث يحتوي معلومات عن اللوحة، والجزء الآخر حيث توجد الصورة. سيغيّر الفنانان مكان هذا الخط في صورٍ أخرى، وسيفعلان ذلك عمداً، من أجل خلق دلالات جديدة في الصورة، وصولاً إلى انحلاله التام.
وبدلاً من الإشارة في الصور إلى الماضي المرئي والراسخ في أماكن معينة، تدعو أعمال المصوّرين إلى إعادة النظر في الطريقة التي يكوّن فيها التاريخ طرقاً نمطية للرؤية والفهم والتذكّر. هكذا تصبح البيوت، والقصور، والمذابح، وأماكن نشأة الجنس البشري، نماذج من أجل إعادة صياغة مفاهيم الزمان والمكان، وبالتالي إعادة كتابة التاريخ.