استمع إلى الملخص
- معرض "عن الخروج والريح" في مدريد يستعرض حياة الإسبان الذين لجأوا إلى شمال أفريقيا بعد الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939، هرباً من دكتاتورية فرانكو، ويعرض حالاتهم الذهنية من خوف وسخط وأمل واستسلام.
- يبرز المعرض التناقضات التاريخية، حيث كان الإسبان يهاجرون بحثاً عن الأمان، بينما يرفع بلدهم اليوم الأسوار أمام المهاجرين من شمال أفريقيا.
يعود الوجود الإسباني في شمال أفريقيا إلى حرب تطوان (1859 - 1860)؛ حيث استقرّ العديد من الحرفيّين الإسبان في سبتة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، تدفّق المهاجرون الإسبان إلى المغرب بشكل ملحوظ، ووصل عدد الوافدين إلى حوالي ستّة آلاف شخص بين عامَي 1891 و1892، وقد توزّعوا في مدن مغربية مختلفة، مثل الدار البيضاء والعرائش وطنجة والرباط.
مع إعلان "الحماية" الإسبانية على المغرب عام 1912، اعتُبرت الهجرة إلى المغرب "موضة" في إسبانيا، ووصل عدد الإسبان هناك إلى أكثر من 16 ألفاً سنة 1923. وتشير الدراسات إلى أنّ معظم الإسبان الذين اختاروا الاستقرار في المغرب عاشوا حياة بسيطة، وأنشأوا أعمالهم الخاصّة، ووُصِفوا بأنّهم أشخاص بسطاء يفضّلون الشوارع الضيّقة في المدن القديمة، على عكس الفرنسيّين الذين عاشوا في الأحياء الحديثة بالرباط والدار البيضاء. لكنّ ما كان "موضة" لدى الإسبان في عشرينيات القرن الماضي سرعان ما تحوّل بعد عقد من الزمن إلى منفى ومكان للجوء والانتظار.
هذا ما يضيئه معرض "عن الخروج والريح: المنفى الإسباني في المغرب العربي (1939 - 1962)"، الذي افتتح الأربعاء الماضي في "البيت العربي" بمدريد ويتواصل حتى الخامس والعشرين من آذار/ مارس المقبل، في استعادة للحياة التي عاشها آلاف الأشخاص الذين اضطرّوا لمغادرة إسبانيا، ووجدوا في الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسّط (المغرب بدرجة أُولى ثمّ الجزائر وتونس) ملجأ لهم، ابتداءً من عام 1939؛ حيث تشير التقديرات إلى أنّ حوالي 13 ألف مواطن إسباني اضطرّوا إلى الهروب من إسبانيا إلى شمال أفريقيا في آذار/ مارس من ذلك العام، مع نهاية الحرب الأهلية الإسبانية، حين تمكّنت قوات فرانثيسكو فرانكو من بسط سيطرتها على البلاد، لتبدأ فترة دكتاتورية حكمت البلاد بقبضة الاستبداد الديني والعسكري.
أربعة أقسام تُمثّل حالات ذهنية: الخوف والسخط والأمل والاستسلام
عبر صور فوتوغرافية، وشهاداتٍ، ونصوصٍ، ومتعلّقات شخصية، ينقسم المعرض إلى أربعة أجزاء تشير إلى حالات ذهنية مرّ بها أولئك المهاجرون؛ هي: الخوف، والسخط، والأمل، والاستسلام. لا يمكن فصل أجزاء المعرض أو الحالات الذهنية عن بعضها بعضاً، فمَن هاجر بسبب الخوف من الدكتاتور فرانكو سنراه ينتظر مُترقّباً الموت كي يعود إلى بيته؛ ومَن اضطرّ للاستسلام والهروب، سنراه ساخطاً على الطرف الآخر من ضفّة المتوسّط. الخيط الرفيع الذي يصل بين تلك الحالات الذهنية، وبين الأشخاص، هي القصّة نفسها، التي تروي الهروب والمنفى وعبور البحر والذهاب إلى بلد آخر لبدء حياةٍ جديدة.
هذه هي تبدّلات التاريخ ومفارقاته. فالبلد الذي يرفع اليوم أسواره وحدوده أمام المهاجرين القادمين إليه من شمال أفريقيا، عابرين المتوسّط، هو نفسه الذي كان مواطنوه يهاجرون بحثاً عن الأمان. لكن، يبدو أنّ السياسيّين قليلاً ما يستفيدون من دروس التاريخ.