الوحدة ذئبٌ رمادي

في البدء قرفص الراوي قبالة الكوخ ليشهد مكان قصّته، لم يكن قد خُلِقَ بشرٌ بعدُ ولا أحجار ليتقاتلوا بها أو ليبنوا بها قلاعهم. كلُّ ما كان؛ كوخٌ خشبي وليلى، الطريق والصيّاد والذئب والخوف منهُ واشتعال فُرنٍ لإنضاج الكعك.

انسلخ الراوي من المكان وغاب في حلق الأسطورة، واتّخذت ليلى الطريقَ بدايةً لما سيكون. في كلّ غابةٍ ليلى وفي كلّ إنسانٍ يتوارى ذئبٌ. أرسلت ليلى النظر أماماً فنبتت أشجارٌ بعصافيرها، ذاب العدمُ ونبتَت غزالةٌ تؤنس الصيّاد في عودته، نبتَتْ ضروعٌ في الأحواضِ وينابيع في المفارق، ونبت الخوف لبلاباً في قلب ليلى.

رماديٌّ، ولا جوع في روحه، هبط من قمّة جبلٍ نَما لتوّه، قصد السهول المخضلّة التي خلّفها مرور ليلى، اشتمَّ الرائحة فاستيقظت غرائزه، نفض رأسه طارداً فكرة الصيد من جديد.. رماديٌّ، ولا جوع في روحه. لا أسلاف له ولا قبائل، وحده على الطريق يقصد أحرف الأسطورة، يمشي كمن لا وزن له ولا جسد، يرفل بقوائمه كمن زيحَت له الدنيا بما فيها، وقَصَدَ أحرفَ الأسطورة.

نُفيَ المنطق إلى العدم، وسُمِّيَت أشياءُ بغير أسمائها، وصلت ليلى بيتاً ينمو، لكن شيئاً ما ثقب قلبها بالفقد، لا تعرف الشيء المفقود، ولا أمداء الخوف.

اكتمل البيت ودخلت ليلى، بشيئها المفقود في القلب.

الجدَّة ممدّدة على السرير كما قدَّرَ الراوي، والنافذة تتثاءب كلّما عمّ الصمتُ المكان. "شيءٌ ما قلبي فاقدُه!" قالت ليلى بعد أن جالَت ببصرها في المكان. لم يحصل الرواةُ على خبز قصّتهم، الوحدةُ ربَّةُ الأسطورة، وتخمةُ وجودها ما يعين الرواة على السفر الطويل بين تجاعيد شخوصهم.

"لا شيءَ قلبُكِ فاقدُه.. شيءٌ ما قلبُكِ ناشِدُه!"، قالت هذا الجدّة وهي تختفي مع البيت الذي بدأ بالذوبان... خرجت ليلى بشيئها المفقود في القلب، وأبصَرَت الوحدةَ تنتظرها على شكل ذئبٍ رمادي، ولا جوع في روحه.

 
* كاتب وشاعر من المغرب

نصوص

التحديثات الحية

عزيزي بيتر نوتس