"الوقت ليس متأخراً جداً": نضالٌ لتحرير المناخ من الاستعمار

24 سبتمبر 2024
يناقش الكتاب موضوعاً خطيراً يمسّ وجودنا الجمعي
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أهمية قضية المناخ في العالم العربي والغربي: في العالم العربي، تظل قضايا المناخ غير ذات أولوية بسبب الأزمات المستمرة، بينما في الغرب، تُعتبر من أهم الموضوعات الفكرية.

- محتوى وأهمية كتاب "الوقت ليس متأخراً جداً": يناقش الكتاب التغير المناخي من خلال مقالات وحوارات، ويمنح الأمل بفضل جمعه لأصوات مختلفة، مشيرًا إلى أن الأمل يتطلب المجازفة والعمل.

- مقالات وآراء حول التغير المناخي: يضم الكتاب مقالات لعلماء وناشطين ينتقدون الاستغلال والاستعمار، ويدعون لاستخدام الطاقات البديلة، ويراهنون على الأمل والإبداع في نماذج جديدة للعيش.

رغم أهمية قضية المناخ، يبدو أن الوقت لم يحن بعد لتكون في صدارة أولويات المفكّرين العرب. ففي ظلّ الأزمات المتواصلة التي تعصف بالمنطقة، تبقى قضايا مثل حرب الإبادة في غزة، والأزمات والاعتداءات التي يواجهها لبنان، والاضطرابات المستمرّة في سورية وتردّي وضعها الاقتصادي، والحرب في السودان، وجراح العراق التي لم تندمل بعد من آثار الحرب والتفكّك، المحور الرئيس للاهتمام.

لكن في الغرب، تبقى قضية المناخ حيّة، ويشغل موضوع التغيّر المناخي بال المثقّفين والفلاسفة والعلماء والصحافيّين والناشطين والأساتذة الجامعيّين والكتّاب، بل إنه يُعدّ من الموضوعات الأهمّ والأشدّ خطراً على الأجندة الفكرية اليوم. انطلاقاً من هذا، يجيء كتاب "الوقت ليس متأخراً جداً: تغيير قصة المناخ من اليأس إلى الاحتمال"، الذي صدر عن "هيماركت بوكس"، بتحرير: ربيكا سولنيت وثيلما يونغ لوتوناتابوا. 

يناقش الكتاب موضوعاً خطيراً يمسّ وجودنا الجمعي، ويضمّ بين دفّتيه مقالات وحوارات لشخصيات مقاتلة تُصارع على الخطوط الأمامية من أجل مستقبل كوكب الأرض، الأمر الذي دفع الروائي أميتاف غوش إلى وصف الكتاب بأنه يمنحنا جرعة من الأمل بفضل جمعه لهذه الأصوات المختلفة.

أزمة المناخ تتويجٌ لقرن كامل من الاستغلال والاسترقاق

ترى محرّرة الكتاب ربيكا سولنيت أنه لا توجد حركة مناخية فعّالة يُمكن الحديث عنها حالياً، رغم وجود حملات ضدّ صناعة الفحم والنفط وتدميرهما للبيئة، وانتهاكات حقوق الإنسان. إن العالَم الآن برأيها "أفضل وأسوأ" مما كان عليه قبل عشرين عاماً: أفضل بسبب الحملات الأهلية والحركات الشعبية وانتفاضات السكان المحلّيين، الذين ناضلوا لإنقاذ الكوكب انطلاقاً من معتقداتهم والتزاماتهم، الأمر الذي ولّد أفكاراً جديدة حول العدالة والمساواة والتعاون. والعالم أسوأ لأن الناس الجيدين لا يفعلون شيئاً، أو لا يحاول عدد كافٍ منهم فعل أي شيء. 

إن الأمل، كما تؤمن سولنيت، يتشابه مع الحبّ ويتطلب المجازفة، وهو يعني التعرّض لتأثير الخسارة، والاعتراف بغياب اليقين حيال المستقبل ومواجهة الصعاب. ويعني الأمل، من منظارها، أن الشخص الآمل يستطيع أن يحمي بعض ما يحبه حتى حينما يحزن على ما لا يستطيع حمايته. ولتحقيق ذلك، يجب أن نعمل دون انتظار نتيجة أفعالنا. وتضيف سولنيت أن العالم قد غيّره أشخاص بدوا كأنهم عاجزون عن مواجهة مؤسسات زمنهم القوية، غير أنهم انتصروا في النهاية. فبعد قرون من الإبادة الجماعية، استعاد السكّان الأصليون في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين ثقافتهم وحقوقهم ولغاتهم وجزءاً من أراضيهم، وصاروا قادة رئيسين في عالم متغيّر. ويعني الأمل، بحسب سولنيت، قبول اليأس والاعتراف بأن ما ليس ممكناً مُمكن، وأن نخطّط ونقبل أن ما لا نتوقّعه غالباً ما يُقاطع خططنا، وأن نعرف أنّ لدى الأقوياء نقاط ضعف، وأننا نحن، الذين من المفترض أنهم ضعفاء، لدينا قوة كبيرة قادرة على تغيير العالم، وأن نعرف أن المستقبل هو ما نصنعه في الحاضر، وأن المتعة تظهر في خضم الأزمة، وأن الأزمة على مفترق طرق.

يبدأ الكتاب بمقالة لماري أناييس هيغلار، الكاتبة المختصة في موضوع المناخ، التي قالت إنها شعرت بالسعادة لأنه أُتيحت لها فرصة للتحدّث عن تجربة مشاهدة العالم وهو يتفكّك أمام أعيننا. فأزمة المناخ، كما تقول، هي التتويج النهائي لقرن كامل من الاستغلال والاستخراج بما فيه الاسترقاق والاستعمار وما تفرّع عنهما. والسؤال المطروح في هذه السياق هو: ماذا أستطيع أن أفعل كفرد؟ الجواب، كما تقول: افعل ما تقدر عليه، أو ما أنت جيد فيه، فالصراع ليس من أجل حماية الكوكب وحسب، بل هو صراع ضد سلطة رأس المال التي تستثمر هذا الخراب المعمم.

صراع ضد سلطة رأس المال التي تستثمر بالخراب المعمَّم

في مقالة بعنوان "ليس محكوماً علينا بفوضى المناخ"، يرى الجغرافي والأنثروبولوجي إدوارد إي كار أنّ مستقبلاً مَرِناً حيال المناخ ما زال مُمكناً، ويبدأ بذكر التحدّيات التي يجب أن نعالجها، وأفضل الطرق التي يجب اتّباعها. وفي حوار أُجري معها بعنوان "هزيمة صناعة الوقود الأحفوري"، تقول محلّلة سياسة النفط أنطونيا جواز: "إن صناعة الوقود الأحفوري لا تفوز دائماً، والحقيقة هي أن استهلاك الوقود الأحفوري يقف وراءه عدد قليل من الناس، وهم الأكثر ثراء، ويعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا، وهم مستهلكون رئيسون له".

عالمة المناخ جويل جيرجيس ترى في مقالتها "رأي عالمة مناخ بالأمل" أننا يجب أن نختار ما نرغب بإنقاذه، وأن بعض التغيّرات التي أحدثناها في الأمكنة المتجمدة والمحيطات غير قابلة للمعالجة، وستبقى معنا لقرون، والسبب هو أننا سبّبنا ذوبان الجبال الجليدية، وتأكسُد المحيطات، وارتفاع مستوى سطوحها، الأمر الذي سيبقى حتى بعد أن نحدّ من انبعاث غازات الدفيئة. وهذا واقع مرعبٌ يجب أن نتصالح معه: إنّ الكوكب الأرضي يختلّ توازنه الآن في عالم يُطبخ على نار الوقود الأحفوري، على حدّ تعبيرها.

من تظاهرة لناشطين بيئيّين قبل انعقاد "أسبوع المناخ" في نيويورك، 20 أيلول/ سبتمبر 2024 (Getty)
من تظاهرة لناشطين بيئيّين قبل انعقاد "أسبوع المناخ" في نيويورك، 20 أيلول/ سبتمبر 2024 (Getty)

لي غاريديمور ستوك، أستاذة سياسة البيئة في "جامعة سانتا بربارة" في كاليفورنيا، انتقدت في مقالتها "من الدمار إلى الوفرة" شركات الوقود الأحفوري والكهرباء التي تمارس دعاية مضادة تفيد بأن ظاهرة التغير المناخي غير حقيقية. إلا أن الحقيقة الساطعة هي أن التلوث يلامس كلّ جزء من حياتنا الحديثة، ونستطيع أن نزيل الربع الأول منه فقط، كما تقول، عن طريق تنظيف نظامنا الكهربائي. كما أن معظم كهرباء العالم مُولَّدة باستخدام الوقود الأحفوري، وقد آن الأوان لاستخدام طاقات بديلة مثل طاقة الرياح والماء والطاقة الشمسية.

تراهن الكاتبة غلوريا والتون في مقالتها "الحلول المشتركة هي أملنا وقوتنا الأعظم" على فسحة الأمل قائلة إن هناك فضاءً من أجل أن نحلم ونُبدع نماذج جديدة من طُرق العيش مُسْتلهمة من تجارب السكان الأصليين. وفي مقالة مهمة بعنوان "إنهاء استعمار المناخ"، تقول فرحانة سلطانة، أستاذة الجغرافية والبيئة في "جامعة سيراكيوز"، إن الاستعمار يسكن الماضي والحاضر والمستقبل من خلال الطقس، ويقع عبء التغيّر المناخي بشكل غير متكافئ على الجماعات التي استُعمرت سابقاً، وارتُكبت بحقها الفظائع في العالم النامي للجنوب العالمي. ثمة حاجة ملحة، كما تؤكد، لتحرير المناخ من الاستعمار لمعالجة حالات الأذى التي تمت ومنع الأذى المستقبلي. ويعني تحرير المناخ من الاستعمار إشراك مزيد من الجماعات المناهضة للاستعمار، والتيارات النسوية، والحركات المناهضة للعنصرية، والخطابات النقدية والحركات المناهضة للرأسمالية في خطابات التيار الرئيس بخصوص المناخ، ومعالجة الاضطهاد والتهميش القائمين. وتطرح المؤلفة نقطة في غاية الأهمية، وهي أن تحرير المعرفة من الخطاب الاستعماري لإنهاء استعمار المناخ يتطلب ما تسمّيه "إعادة تلوين المعرفة والسياسة" بتجارب السكان الأصليين الذين تم تجاهلهم وإسكاتهم عبر التاريخ في الخطاب العام حول المناخ. إن كثيراً من الأنظمة المعرفية المتعددة للسكّان الأصليّين، كما تشير، تتعرض للإقصاء المتواصل وسط الخطابات والممارسات المهيمنة حول المناخ، وهي آليات مقاومة مهمة تركز على علاقات أخلاقية وتبادلية في أنحاء الكوكب وتساهم في إنقاذه.

يضيق المجال هنا لاستعراض آراء جميع المساهمين في الكتاب الذي صدر بغلاف أخضر بالغ الدلالة، إلّا أن العلماء والباحثين والناشطين والأكاديميّين المساهمين فيه، والذين يتجاوز عددُهم العشرين، يُجْمعون على أن الفرصة لا تزال سانحة للفعل، وأن كلّاً منّا يستطيع أن يُساهم في إنقاذ الكوكب عن طريق اتخاذ موقف فردي وصولاً إلى حركة مناخية متعددة التيارات وعابرة للثقافات.


* شاعر وكاتب سوري مقيم في الولايات المتحدة

المساهمون