تعدّدت المقاربات لظاهرة الجنون أو الاضطراب النفسي في المسرح الحديث والمعاصر، باعتبارها مفهوماً نسبياً يرتبط بالسياق الثقافي للجماعات البشرية، بمعنى أنه خروج عن أعرافها وقيودها وليس تعبيراً عن خلل عقلي، كما جسّدته نماذج عديدة مثل غوغول وأوجين أونيل وبيتر بروك وغيرهم.
وفي المسرح العربي، قدّم كلّ من الفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي تجربتين مختلفتين في إضاءة تلك العوالم المجهولة والمهملة من دون الركون إلى أحكام مسبقة، وتأتي هنا أيضاً محاولة المخرج المغربي بوسرحان الزيتوني في مسرحيته "بويا عمر"، التي تُعرض عند السابعة والنصف من مساء غدٍ الثلاثاء في "المركب الثقافي ـ الداوديات" بمدينة مراكش.
تستند المسرحية إلى نصّ كتبه عبدو جلال حول ضريح يلتقي عنده المرضى النفسيون والمتشردّون والمهمّشمون، حيث يمارسون طقوساً غير مألوفة، ويتداولون حوارات تخالف السائد لكنها تحمل إحالات عميقة وبليغة حول الواقع.
اتكأ العمل على حادثة حقيقية تعود إلى عدّة أعوام سابقة، حين قامت وزارة الصحة المغربية بإغلاق ضريح يحمل اسم "يويا عمر" المعروف باستقباله أصحاب الأمراض النفسية المصابين بالمسّ والجنون، لأجل ضمان حقّ نزلاء هذا الضريح في العلاج الطبّي والنفسي، كما أوضح متحدّث الوزارة في تصريحات صحافية.
الضريح الذي كان يزوره عشرات الآلاف، ويبعد بحوالي 50 كيلومتراً عن مدينة مراكش، يمثّل ذريعة يتخذها صنّاع المسرحية لنقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بما فيها تلك التي يصعب تناولها من قبل العقلاء.
في العرض الذي أعدّه الدراماتورج لعزيز محمد وشارك في أدائه الممثلان جواد العلمي وفيصل كرمات، ينفتح على مشهد لمجموعة من المجانين الذين توحي ملابسهم باعتقالهم واحتجازهم، ليبدأ الحوار في ما بينهم حول الأمراض التي يشهدها المجتمع المغربي، حيث هؤلاء تحديداً مَن يمتلكون الجرأة لفضح مسائل عديدة مسكوت عنها أو لا يحبّذ نقاشها مَن يصنفون أنفسهم في خانة "الأسوياء".
يوظّف المخرج التقنيات الرقمية لتصوير مدينة تتهاوى عماراتها، وأجزاء بشرية تتناثر هنا وهناك، وسط صراخ وأنّات، وشوارع افتراضية تقود إلى متاهات لا نهائية، على وقع موسيقى صوفية مِن تأليف عبد الفتاح نكادي، لتنطلق رقصات المجانين على أنغامها، ويروي كلّ مجنون قصّته التي أوصلته إلى ما يعيشه اليوم.