بيتر بيرك.. تأريخٌ ثقافي لظاهرة الجهل

16 نوفمبر 2024
أنواع الجهل والكوارث المترتّبة عليه متعدّدة ومتباينة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يستعرض كتاب "الجهل: تاريخ للظاهرة من منظور عالمي" لبيرك دور الجهل عبر التاريخ، مع التركيز على تغير المناخ وتأثير المعرفة الجديدة في خلق أنواع جديدة من الجهل.
- يتكون الكتاب من قسمين: "الجهل في المجتمع" و"عواقب الجهل"، حيث يناقش تأثير الجهل في مجالات مثل الحرب والسياسة، ويؤكد على أهمية التفكير في المعارف والجهالات بصيغة الجمع.
- بيتر بيرك، مؤرخ بارز في التاريخ الاجتماعي للمعرفة، نشر أكثر من 26 كتابًا تُرجمت إلى 31 لغة، منها "النهضة الإيطالية" و"الثقافة الشعبية".

"قد لا يبدو الجهل الذي يُعرّف بأنه حالة من غياب المعرفة موضوعاً جديراً بالبحث في ظاهره، فقد تخيّل صديقٌ لي أن كتاباً مدوّناً عن هذه الظاهرة لن يحوي إلا صفحات بيضاء. ومع ذلك يتنامى الاهتمام بهذا المجال، مُحفّزاً بأمثلة صارخة عن جهل رؤساء بارزين مثل دونالد ترامب وجايير بولسونارو، ناهيك عن حكومات أُخرى". بهذه الكلمات يبدأ المؤرّخ الثقافي البريطاني بيتر بيرك (1937) كتابه "الجهل: تاريخ للظاهرة من منظور عالمي"، الذي صدر بطبعة عربية أنجزها المترجِم السعودي بندر الحربي عن "دار الرافدين" في بغداد.

ينطلق الكتاب، الواقع في أربعمئة صفحة، من تنامي حقل بات يُعرف بـ"دراسات الجهل"، خلال الثلاثين عاماً الماضية، ويعتبر أستاذ التاريخ في "جامعة كامبريدج" أن الوقت قد حان للتعرّف على دور الجهل (ومنه التجاهُل المتعمّد) عبر التاريخ. حيث تظهر هذه القضية على نحوٍ جليّ في الأوقات التي تكون فيها تحرّكات الحكومات إزاء قضية تغير المناخ على سبيل المثال محدودة ومتأخّرة. مع ذلك فما يسعى إليه الكتاب هو أن أنواع الجهل والكوارث المترتبة عليه متعددة ومتباينة.

يخلُص إلى أنّ المعرفة الجديدة غالباً ما تجعل أنواعاً جديدة من الجهل مُمكنة

ويستهدف الكتاب، الصادر أولاً بالإنكليزية عن "جامعة ييل" (2023)، فئتين من القرّاء. أولاً عموم القرّاء، وذلك لأن كلّ قارئ يمثل مزيجاً متفرّداً من المعرفة والجهل، كما يوضّح المؤلّف في مقدمة الكتاب، والفئة الثانية هم الباحثون والأكاديميون. ويحدد مجال المعرفة في الغرب خلال الخمسمئة عام الماضية إطاراً بحثياً له، مع إدراجه أمثلة من آسيا وأفريقيا، في محاولة للتشجيع على دراسات مستقبلية في هذا المجال.

ويبيّن الكتاب أن العديد من الأساليب التي يُنظر إليها عادة على أنها ظواهر معاصرة، مثل تسرّب المعلومات ونشر الأخبار الزائفة، لم تكن بالجديدة، بل تمتد جذورها عبر القرون. وتسلط هذه الرؤية الضوء بالمثل على التحولات البطيئة والخفية في المجهولات والتي لا تعترف بالتقسيم التقليدي بين العصر الحديث المبكّر والعصر الحديث المتأخّر (من عام 1800 إلى اليوم)، لكن بالعموم يبقى الكتاب، وفقاً لمؤلّفه، "استطلاعا لأرض تحوي العديد من الفراغات".

بيتر بيرك - القسم الثقافي
بيتر بيرك في محاضرة بـ"جامعة أكسفورد"، 2009

يتألّف الكتاب من قسمين: "الجهل في المجتمع"، ويضمّ ثمانية فصول تتناول التعريف بالجهل وآراء الفلاسفة به ووضعيته الجماعية وتاريخه، وتموضعه في إطاره الديني، وكذلك موقعه من العلم والجغرافيا، في حين يتطرّق القسم الثاني "عواقب الجهل" إلى موقعه في الحرب ومجال الأعمال والسياسة والكوارث والأسرار والأكاذيب، وتجاهُل الماضي.

ويُنهي بيتر بيرك كتابه بخاتمة عنوانها "المعرفة الجديدة الجهل الجديد"، يخلُص فيها إلى أننا بحاجة إلى التفكير في المعارف والجهالات بصيغة الجمع بدلاً من المفرد، مع الأخذ بالاعتبار أن ما يُعتبر معرفة شائعة أو حكمة تقليدية يختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر، منبّهاً إلى أن المعرفة الجديدة غالباً ما تجعل أنواعاً جديدة من الجهل ممكنة.

وُلد بيتر بيرك عام 1937، ويعد من أبرز المختصين بالتاريخ الاجتماعي للمعرفة، ونشر أكثر من ستة وعشرين كتاباً تُرجمت إلى واحد وثلاثين لغة، شغل بين عامَي 1962 و1979 عضوية في كلية الدراسات الأوروبية بـ"جامعة ساكس"، قبل أن ينتقل إلى "جامعة كامبريدج"، من مؤلّفاته: "النهضة الإيطالية" (1972)، "الثقافة الشعبية في عصر الحداثة الأوروبية المُبكّرة" (1978)، و"سوسيولوجيا وتاريخ" (1980)، "ما هو التاريخ الثقافي؟" (2004)، و"عالم متعدّد المعارف: تاريخ ثقافي من ليوناردو دافنشي إلى سوزان سونتاغ" (2020).

المساهمون