بمناسبة "اليوم العالمي للترجمة" الذي يُحتفل به سنوياً في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر، نظّم الفريق الإعلامي لـ"جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهُم الدولي"، مساء أول من أمس السبت، ندوة بعنوان "تجارب في الترجمة"، بُثَّت عبر منصة "زووم"، وشاركت فيها مجموعة من المترجمين والباحثين العرب والأجانب، وأدارتها الباحثة امتنان الصمادي. حيث ناقش المشاركون واقع حركة الترجمة استناداً إلى تجاربهم الشخصية في هذا المجال، وتطرّقوا إلى الصعوبات والتحدّيات التي يُواجهونها أثناء عملهم.
قدّمت الباحثة في "جامعة الزرقاء" الأردنية، وفاء أبو حطب، المداخلة الأولى التي انطلقت فيها من كون الترجمة فعلاً ثقافياً يتجوّل فيه المُترجِم بين ثقافتين. وأنّ الناس على اختلاف انتماءاتهم قد وجبَ عليهم "التعارُف"، وهذا ما يستدعي الترجمة. ومن الكتب التي أشارت إليها في معرض كلامها حول تجربتها "الرحلات المنسية لرحالة مغربي إلى الحجاز في القرن الثامن عشر"، وشرحت استراتيجيتها في ترجمة هذا العمل، وعن نثرها للأبيات الشعرية، كون الطابع العام للكتاب قصصياً، والتركيز هنا على المعنى، وإن تمّت التضحية بالقافية.
وبرأيها يتحتّم على المترجم الأدبي أن يُوازن بين الولاء للنص الأصلي، وبين الخروج بنصٍّ يخلق نفس التأثير الذي خلقه النص الأصلي لدى القارئ، آخذاً بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية. فالتحدّي يَكمُن في أن تجد المُقابل الذي يُعبّر عن المعنى ويُعطي نفس الأثر. كما لفتت إلى تجربتها مع الترجمة الدينية، وخصوصية هذا الحقل، من خلال كتاب "صحيح القصص النبوي" لعمر الأشقر، حيث وقفت على عدد من التحديات كالحفاظ على الثبات (أسلوب موحّد للكتاب)، وأن المخطوط وردت فيه بعض الكلمات العربية التي تحتاج إلى الشرح، وغيرها.
تنوّعت خبرات المشاركين في الندوة، وشملت أنواعاً عديدة من الترجمة
بدورها، تحدّثت الباحثة وأستاذة الأدب العربي في "جامعة بلغاريا الجديدة"، نيديليا كيتايفا، عن تجربتها الأولى بترجمة بعض أعمال أدونيس الذي ترجمت له فصلاً من "النظام والكلام"، وأوضحت في هذا السياق: "كنتُ على يقين من أنني لا أستطيع الكتابة عن شاعر لم أطّلع على مؤلّفاته، في البداية لم أفهم من أشعاره إلّا القليل، وكانت الكلمات ذات معانٍ غامضة، لكنني شعرت بعمق هذا الشعر وطاقاته الكامنة وأدركت أن تلك القصائد تضم أكثر مما نلاحظه على السطح".
واستطردت حول كيفية اكتشاف الوسائل التي يتم من خلالها نقل صورة ما وراء الصورة، وعلم ما وراء العلم في اللغة العربية التي تعمل في حقل الخيال والمجاز؛ الأمر الذي مكّنها، لاحقاً، من الانتقال من أدونيس إلى نزار قباني ومحمد بنيس وغادة السمان وسركون بولص وآخرين. كما تحدّثت عن نقلها من البلغارية إلى العربية، رواية "فيزياء الحزن" لغيورغي غوسبودينوف. وهي رواية تجريبية فيها الكثير من الاقتباسات والعوالم المتشابكة.
وأوضحت أنّ صعوبات الترجمة تختلف باختلاف النصوص التي تتم ترجمتها، وباختلاف الأدباء أصحاب تلك النصوص أيضاً، وهذا "يتطلب الكثير من العمل إزاء كلّ كاتب للتعرُّف على التفاصيل الخاصة بعمله"، مؤكدة أن التحدي بالنسبة للمترجم يكمن في كيفية نقل روح الثقافة التي يرتبط بها العمل، فعلى المترجِم أن يصل إلى تلك الروح قبل القارئ كي يتمكّن من إعادة تقديمها بأفضل طريقة، وهذا يستلزم "إقامة علاقة خاصة بين المترجم والمؤلف، وأن يسمع المترجم صوت المؤلّف واضحاً ويتكلّم بهذا الصوت في ترجمته".
أمّا أستاذ الأدب والفلسفة الألمانية في كلية التربية بـ"جامعة عين شمس"، صلاح هلال، فقال: "نحتاج إلى تضافر الجهود التي تُعنى بالترجمة في صورة مشروع عربي ضخم يضمّ متخصّصين من كلّ الدول ويكون هو الموجّه لعمل الترجمة في العالم العربي، وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية وثقافية ودعم مادي".
وأشار هلال إلى جملة من التحدّيات تواجه المُترجم في عمله، مثل مسألة خفض التكاليف الذي تبحث عنه دُور النشر، وعدم تفرّغ المترجِم، أو القدرة على السفر لحضور المؤتمرات ومعارض الكتاب الدولية، وعدم وضع اسم المترجم على الغلاف أحياناً.
وختم هلال أنّ العقبات لا تواجه المترجمين فقط، فهي تواجه الناشرين أيضاً، وأن هناك حاجة ماسّة إلى مشروع عربي ضخم منظّم وموحّد تنبثق عنه مؤتمرات وورش عمل ومِنح لمشاريع ترجمة فرديّة وجماعية، مُشيراً إلى ضرورة النظر إلى الترجمة بوصفها عملاً جماعياً وليس فردياً، وإلى أنّ تطوير الذكاء الصناعي من شأنه أن يُتيح للمترجمين الاستفادة منه.
كذلك تحدّث المترجم الكويتي عبد الوهاب السليمان عن تجربته في احتراف الترجمة بعيداً عن التخصّص الأكاديمي، وأن اهتمامه بالترجمة بدأ في وقت مُبكّر، وأن الأعمال المُترجمة الجميلة التي استمتع بها ارتبطت بالمترجمين كما ارتبطت بالمؤلّفين. وقال إنه ترجم عدداً من القصص، كما ترجم كتباً من بينها "مكتبة شكسبير الباريسية" لسيلفيا بيتش (2022). وأشار إلى أنه حرص خلال جائحة كورونا على التعمق باللغتين الإنكليزية والعربية وعلى معرفة معاني الكلمات في سياقها الزمني.
ولفت سليمان إلى دَور المدوّنات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي كوسط مُلائم للتدريب وتبادل الخبرات، رغم أن هذه الشبكات تقوم على جهود فردية لا مؤسسات كبيرة. وحول أبرز التحدّيات أشار إلى مسألة المصطلحات الأكاديمية، وضرورة أن يكون هناك مجمع للترجمة شبيه بمجمع اللغة العربية. وأعرب عن أمله في تطوير الذكاء الاصطناعي ليكون في خدمة المترجم وليوفر عليه الجهد والوقت.
وختمت الندوة المترجمة الباكستانية الناشئة آسيا عارف التي تمكّنت من نقل سبعة كتب من العربية إلى الإنكليزية والأوردية والفارسية. وتحدّثت عن تجربتها في نقل الحِكَم والأمثال وقصص الأطفال في عمر مبكّر، موضحة أنها جمعت الحكم والأمثال من كتبٍ مُختلفة منها "مجمع الأمثال" للميداني، و"أحلى ما قيل في الحكم والأمثال" من إعداد غريد الشيخ، و"الإعجاز والإيجاز" للثعالبي، و"عيون الأخبار" لابن قتيبة.
وقالت إن الحكم والأمثال هي نتاج سلسلة تجارب الحياة التي تجاوزت العصور والثقافات واللغات، وأضافت: "إذا تأملنا في هذه الجواهر الحكيمة فهي تنقل رسالة عالمية بصرف النظر عن لغاتها"، مشيرة إلى أنها اتبعت خطوات محددة لإنجاز هذه الترجمة، منها فهم المعنى بما في ذلك فهم الخلفية الثقافية العميقة للمثل، وترجمة المثل الواحد بأكثر من صيغة (3 ترجمات لكل مثل)، واعتماد استراتيجية ترجمة الكلمات ثم المعنى بعامة، والاهتمام بالصياغة اللغوية للمثل من خلال تقصير الترجمة وجعلها ملفتة للانتباه، وتقفية الأمثال.