جاك لاكان: كتاباتٌ من السنوات الأولى

27 يناير 2023
لاكان خارجاً من جامعة "السوربون" بعد إلقائه محاضرة، تشرين الثاني/ نوفمبر 1976 (Getty)
+ الخط -

إذا كان الطبيب والمحلّل النفسي الفرنسي، جاك لاكان (1901 ــ 1981)، يحظى بالشهرة والمقروئية اللتين يحظى بهما اليوم، فالفضل في ذلك يعود، قبل كلّ شيء، إلى اشتغالاته في المرحلة الأخيرة من تجربته، أي تلك التي تبدأ مع إلقائه، ولا سيّما في العقدَين الأخيرين من حياته، لسيمنار سنوي حول مسائل وقضايا متعلّقة بالتحليل النفسي.

ذلك أن هذه السنوات شهدت خروج لاكان بالعديد من التنظيرات والمقولات الجديدة، التي ستترك أثراً عميقاً على التحليل النفسي لم يعرفه هذا الحقل، ربما، منذ تأسيسه من قِبَل سيغموند فرويد في نهايات القرن التاسع عشر. ومن مفاهيم ونظريات المرحلة المتأخّرة هذه: الآخَر الكبير، ومنطق التهويم، وحلقات بورومين (أو العقدة البورومية)، والغرض بغينٍ ناعمة (l'objet petit a)، وغيرها الكثير.

عن منشورات "سوي" في باريس، وفي سلسلة "الحقل الفرويدي" التي كان لاكان نفسه قد أسّسها وأدارها في هذه الدار، صدر حديثاً للمحلّل النفسي الفرنسي الراحل عملٌ بعنوان "كتابات أولى".

لاكان

ويضمّ الكتاب مقالاته العِلمية والصحافية، والكتابات والملاحظات الشخصية، التي وضعها لاكان بين عامي 1928 و1935، وهي الفترة التي شهدت العديد من اللحظات التي ستحدّد لاحقَ مسيرتِه، مثل ابتعاده عن قضايا عِلم الأعصاب والالتفات أكثر إلى الطبّ النفسي، والالتحاق بالكادر الطبّي في "مستشفى سانت آن للأمراض النفسية" بباريس (1927 - 1931)، كما أن هذه الفترة شهدت تقارُباً بينه وبين العديد من المنتمين إلى السوريالية في الفن والأدب.

وكان لاكان قد نشر أغلب النصوص التي يتألّف منها هذا الكتاب في مجلّات ودوريات محكّمة، وفيها وصفَ حالاتٍ معقّدة من المعاناة النفسية، مثل الذهان، وجنون الارتياب، وغيرها من الأمراض التي تكشف النصوص عن اهتمامه الكبير بمَن كانوا يعانون منها، وتدوينه لكلّ شاردةٍ وواردة في تاريخهم الشخصي والطبّي، ضمن إيمانٍ منه بأن مساعدتهم على الشفاء، بل وإصابتهم، هي دائماً نتيجة لحالة فريدة خاصّة بالشخص نفسه وما عايشه وقاساه.

كما يفتح المحلّل النفسي، في مقالاته، نقاشاتٍ عديدة مع مُعاصريه من المشتغلين في الطبّ النفسي الفرنسي، مناقشاً مقولاتهم ونتائج أبحاثهم ومعايناتهم، ومنتقداً، في أحيان أُخرى، لاستمرار بعضهم بالعمل وفق مفاهيم قديمة تنظر إلى المريض النفسي والأمراض النفسية على أنها أشكال من التخلّف أو النقص العقلي، وما هي كذلك بحسب لاكان، الذي سعى إلى دراستها وعلاجها دون أحكام مسبقة.

المساهمون