شكّلت الحِقبة الهلنستية حالةً معرفية نادرة التقت فيها معارفُ الحضارات الشرقية والغربية. ويؤطّر أغلب المؤرّخين هذه الفترة منذ بداية اجتياحات جيوش الإسكندر المقدوني للشرق ومن ثم وفاته عام 323 ق.م، وحتى الغزو الروماني الذي ورث بقايا تلك الإمبراطورية مستولياً، عام 30 ق.م، على الإسكندرية.
ولئِن كانت هذه الحقبة قد انتهت سياسياً عند ذلك التاريخ، فإنّ آثارها الثقافية والحضارية ستستمرّ وتزدهر فلسفياً مع انتعاش فكر الأفلاطونية المُحدثة (نسبةً إلى الفيلسوف مصريّ المولِد أفلوطين 205 - 270 م)، الذي ترك أثراً عميقاً لا على الزمن الذي عاش فيه فحسب، بل على الفلسفة الإسلامية، أيضاً، والتي ظهرت بعدَه بقرون.
"السلطة المعرفية وتقاليد الحِكمة: يامبليخوس، عن الأساطير غير اليونانية" عنوان المحاضَرة التي يقدّمها باللغة الإنكليزية الباحث والأكاديمي في "جامعة ليوفن" البلجيكية، جان أوبسمِر، عند السابعة من مساء غدٍ الثلاثاء، عبر منصّة "زووم"، وبتنظيم من "مركز الإسكندرية للدراسات الهلنستية" و"معهد دراسات البحر المتوسط" التابعَين لـ"مكتبة الإسكندرية".
يتّخذ أوبسمِر من الفيلسوف السوري يامبليخوس الخلقيسي (240 - 325 م) موضوعاً لمحاضرته؛ لكونه أحد أبرز المُتأثّرين بالأفكار الأفلاطونية حول نظرية الفيض؛ علاوةً على ما تحتويه سيرتُه الشخصية من أثَر قويّ للتقاليد الهلنستية.
يضيء الباحث على مسيرة يامبليخوس الفلسفية، والتي بدأها بالنّهْل من مؤلَّفات أعلام الأفلاطونية المُحدَثة، وبالأخص بورفيريوس الصوري (234 - 305 م)؛ مُنتقلاً بين عدّة حواضر، إذ قصد أولاً روما، قبل أن يعودَ ويستقرّ في مدينة أفاميا السورية، حيثُ أسّس فيها مدرسته الفلسفية، والتي تعرّض أتباعُها للملاحقة بعد أن أصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية.
يعود أوبسمِر في محاضرته إلى أهم محطّات هذه السيرة، وينظُر في أُسُس العلاقة المَعرفية بين يامبليخوس وبورفيريوس، ويرى فيها مصدراً "غير يوناني" في تكوينه الفلسفي، قبل أن ينفكّ الأول عن الثاني ويَشرَع بنقد أفكاره.
كما يتناول المُحاضِر الرياضيات الفيثاغورسية (نسبةً إلى فيثاغورس، 570 - 495 ق.م) بوصفها المرجعية العُليا لموقف الخلقيسي من العالَم المادّي، والذي ينتظر مُخلِّصَه المتمثّل بالفيلسوف والرياضي اليوناني، وفقاً لكتابات يامبليخوس نفسه.
يُشار إلى أنّ المحاضرة جزءٌ من سلسلة جلسات يُنظّمها المركز حول الفكر الهلنستي، وكان قد خصّص آخرها، في السابع من الشهر الماضي، للبحث في فلسفة بورفيريوس الصوري.