يرى الفنان النيجيري جيرالد تشوكوما (1973) أنَّ الفن شكلٌ من أشكال مقاومة التلقين اليومي الذي تمارسه السلطة ليس في بلاده فحسب، إنّما في العالم بأسره من أجل فرض رواية أحادية حول ما يحدث اليوم أو ما جرى في التاريخ.
وتستند ممارسته بشكلٍ أساسيٍّ إلى النقش والحرق والرسم على ألواح الخشب التي يثبّت عليها مجموعة من الألوان والرموز لتصوغ لغة بصرية تعود مرجعيّاتها إلى ثقافة شعب الإيغبو، الذي يعيش في بلدان الغرب الأفريقي التي لم يتم توثيقها بشكل كافٍ، ليقدّمها كلفائف تدوّن القصص غير المروية في الإعلام السائد.
"توازن" عنوان معرض تشوكوما الذي افتتح مساء السبت الماضي في "غاليري كريستين هيليغيردي" بلندن ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري، ويضمّ أعمالاً نفّذها الفنان في السنوات الأخيرة ضمن بحثه في فكرة العلاج بالفن.
يستمدّ المعرض عنوانه من علم الأحياء لوصف "الاستتباب" عبر عملية تنظيم ذاتي يستطيع الكائن الحيّ من خلالها الحفاظ على الاستقرار الداخلي ضمن تكيّفه مع الظروف الخارجية المتغيّرة ومحاولة إدراكها واستيعابها.
ينزع تشوكوما إلى مزيد من التجريد في استخدام العلامات والرموز في تجربته الأخيرة، ولكنّه يحتفظ بأسلوبه ذاته الذي يعتمد على نقش إيدوجرامات (رموز) وزخارف مستمدّة من اللغات الأفريقية القديمة في أعمالهم الإنشائية المصنّعة من الخشب والمعدن والقماش.
يبدو كل عمل، بحسب بيان المنظّمين، وكأنه جزء من رؤية أكبر يمثّل حلماً جماعياً، تحيل إليها الأشكال المطولة والحيوانات والرموز والأنماط الهندسية لتكوين سلسلة حية من الخرائط التي تحاكي الانتقال من النور إلى الظلام.
تحتوي الأعمال المعروضة كائنات ذات مظهر قديم وأنماط معقدة بألوان خضراء زاهية، ما يخلق مناظر طبيعية كثيفة تشبه الغابة التي تدور حول نقطة مركزية تشبه الدوامة، يتحرك المرء انطلاقاً منها باتجاه العالم.
في تجارب سابقة، قدّم تشوكوما تصميمات معقّدة مستوحاة من مفهوم "التركيب أو التوليف الطبيعي" الذي يحاكي التنوّع المهوّل في تشكّل الطبيعة، مستخدماً مواد متعدّدة من الحبال والمعادن والأمشاط والأقفال والألعاب، ضمن رؤيته في تنفيذ أعماله من دون مخططات ورسوم أوّلية، إذ تُبنى أجزاؤها وتتشكّل في تصميمها النهائي مع الوقت.