حميد الهاشمي.. عن المهاجرين المسلمين في أوروبا

25 يونيو 2024
يدرس الكتاب البدايات التاريخية الأولى لوصول أفواج المهاجرين إلى الغرب
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يناقش كتاب "الهجرة ودورها في توطين الإسلام في أوروبا" الصورة الخاطئة لانتشار الإسلام بالسيف، مؤكدًا على أهمية التجارة والهجرة في نشر الإسلام، خاصةً عبر الهجرات التاريخية للمسلمين إلى الغرب.
- يستعرض الكتاب تاريخ وصول المسلمين إلى المملكة المتحدة منذ القرن السابع عشر، مسلطًا الضوء على دورهم في تأسيس مجتمعات مسلمة متأصلة ونشر الإسلام وتحسين صورته في بريطانيا.
- يتطرق إلى التحديات والفرص المتعلقة بالاندماج الاجتماعي للمسلمين في بريطانيا، مشيرًا إلى تغيير الصور النمطية وتعزيز التسامح والتعايش السلمي، وأهمية الحوار والتواصل الثقافي في تقديم صورة إيجابية عن الإسلام.

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر كتاب "الهجرة ودورها في توطين الإسلام في أوروبا - تحديات التعايش والاندماج، بريطانيا نموذجاً"، من تأليف أستاذ علم الاجتماع والباحث العراقي حميد الهاشمي.

تركّز فصول الكتاب العشرة على تبيان أن المقولة التي سادت ردحاً طويلاً من الزمن في الغرب حول "انتشار الإسلام بالسيف وحده" تجانب الصواب، مضيفاً عاملَين آخرين كانا سببًاً في انتشار الإسلام هما التجارة والهجرة.

ويدرس الكتاب البدايات التاريخية الأولى لوصول أفواج المهاجرين إلى الغرب، وإلى المملكة المتحدة خاصةً، وكيفية توليدها أجيالا توطنت في بلاد هجرة آبائها وأجدادها حاملة إرث الدين والعقيدة منهم، وتملّكت كذلك لغة تلك البلاد وثقافتها وتغلغلت في مجتمعاتها، على نحوٍ جعلها مؤثّرة في نشر الدين الإسلامي في ربوعها وكسر المقولات الخاطئة حول الإسلام والمسلمين، التي كانت خلال فترة طويلة من التابوهات والمقدسات.

سرعة قياسية واستنتاج خاطئ

حيَّرت السرعة القياسية التي انتشر بها الإسلام في العالم بعد النبي محمد الباحثين، ففي غضون قرن واحد من ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية وبدء الفتوحات الإسلامية المبكرة، جرى تشكيل واحدة من أكثر الإمبراطوريات اتساعاً في تاريخ العالم امتدت من المحيط الأطلسي إلى بحر آرال، ومن جبال الأطلس إلى جبال هندوكوش، فانبرى من هؤلاء الباحثين من يجادل بأن الإسلام ما كان لينتشر لولا الغزوات وقوّة السيف.

وتصدّى لأقوالهم بعض المطّلعين المنصفين ولم يسلّموا لهم بهذه المقولة، بل جابهوهم بمقولة تاريخية أخرى تقول إن انتشار الإسلام في بقاع الأرض المختلفة، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لم يكن بالفتوحات فحسب، بل بطرائق أخرى سلمية، ومن أهمها طريقتان: الأولى التجارة التي كان يمارسها بعض التجار العرب والمسلمين، والثانية الهجرة، التي بدأت منذ عصور الإسلام المبكرة، واستمرت حتى التاريخ الحديث، وأهمها تلك المرتبطة بالحقبة الاستعمارية للبلاد الإسلامية، والتي انطلقت في اتجاه أوروبا، وتحديدًا المملكة المتحدة، التي هاجرت إليها أول جالية إسلامية في عام 1700م (أي منذ ثلاثة قرون وربع القرن).

وكانت تلك الهجرات تضمّ عددًا من البحّارة وفدوا من شبه القارة الهندية وعائلاتهم، وكانوا يعملون في شركة الهند الشرقية البريطانية، واستقروا في مدن بريطانية ساحلية عدة، بحسب الكتاب الذي يشير إلى أنه انضمّ إليهم بعد افتتاح قناة السويس في عام 1869 وازدياد حجم التجارة والحاجة إلى عمال جدد، موجةٌ ثانية من المهاجرين المسلمين الذين كان معظمهم من البحارة اليمنيين، الذين شكّلوا ضمن موجات الهجرة المبكرة ثانيَ أقدم مجموعة مسلمة مهاجرة إلى الجزر البريطانية عملت في موانئ كارديف وليفربول وبولوك شيلدز ولندن، وحملت معها بالضرورة دينها وعقيدتها الإسلاميَين.

واستمر تدفق المهاجرين المسلمين إلى بريطانيا حتى أصبح عددهم في بداية القرن العشرين يراوح بين 70 و80 ألف نسمة وحوَّلوا مدينتي ووكينغ Woking وليفربول إلى مركزين لأنشطتهم، ثم شيّدوا أوّل مسجد في بريطانيا عام 1860في مدينة كارديف.

دين رسميّ

ويبيّن الكتاب أن توطُّن المسلمين في بلدان غير بلدانهم الأصلية يعني بالضرورة توطين الإسلام وعقيدته فيها، إضافة إلى أنّ استمرارهم في العيش فيها سيوجِد أجيالاً مسلمة لا تعرف سوى موطنها الذي وُلدت فيه وعاشت. وهكذا، فإنّ الإسلام سيتحول تدريجياً ديناً رسميّاً فيها، وهو أمر تُظهره المؤشرات الإحصائية لأعداد المسلمين في البلدان الأوروبية، سواء الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين، أو المتحولون إليه المؤمنون الجدد به من أبناء تلك البلاد، إضافةً إلى أعداد الوافدين في الهجرات الجديدة المستمرة.

يدرس الكتاب البدايات التاريخية الأولى لوصول أفواج المهاجرين إلى الغرب، وإلى المملكة المتحدة خاصةً

كما يلفت إلى أنه لا شك في أنّ انتشار الإسلام وتوطّنه في بلاد جديدة ذات غالبية مطلقة مسيحية ظلت خلال أمد بعيد تحمل في عقول أبنائها صورًا نمطية عن الإسلام والمسلمين، قد أوجدَا صوراً أخرى من تفهُّم الإسلام وتقبّله، وقلّلا رسوخ الصور النمطية القديمة، إن لم نقل غيَّراها، على الأقل لدى من أقاموا علاقات تواصل وتفاعل اجتماعي مع المسلمين، الذين منحتهم مواطنيتهم حرية تواصل مع السكان وفرصة لطرح النموذج الحيّ والحقيقي للإسلام والمسلمين المتحلّين بخصال دينهم وأخلاقياته التي كانوا يعتبرونها عنصراً مهمّاً من مكوّنات هويتهم، وإجادتهم لغة البلد الذي هم فيه وثقافته كأبنائه، وهو أمر طبيعي لمن وُلد وترعرع في أيّ بلد كما يقول علماء الاجتماع، مكّنتهم من امتلاك أدوات الحوار والتواصل والإقناع وتوظيفها في الدعوة إلى الإسلام، فضلاً عن البحث عن المشتركات الإنسانية، كالتسامح والتعايش والعطف على الصغير والضعيف واحترام الكبير وبرّ الوالدين، وغيرها من قيم الأسرة التي يحثّ عليها الإسلام، وباتت تُفْتقدُ في أغلب المجتمعات الغربية، إضافةً إلى الزيجات المختلطة (العابرة للثقافات)، التي زادت فرص دخول مزيد من الغربيين إلى الإسلام.

الهجرة وسيلة لنشر الإسلام

يستعرض الكتاب مقولات علماء الاجتماع الإنساني عن فوائد كثيرة للهجرة، ومنهم الكاتب والمستشرق البريطاني السير توماس أرنولد، مؤلف كتاب "الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية " الذي يقول إن الذي دفع المسلمين إلى حمل رسالة الإسلام معهم إلى الشعوب التي دخلوها، وجعَلَهم ينشدون لدينهم بحق مكانًا بين ما نسمّيه "أديان الرسالة" لهو حماسة من ذلك النوع، من أجل صدق عقيدتهم"، ويذكر أنّ كتابه رصد هذه الحماسة في تبليغ الدعوة ودوافعها وألوان نشاطها، فقد كان انتشار مليون مسلم في بريطانيا في وقت إعداد هذا الكتاب شاهدًا على ما كان لهذه الحماسة من أثر خلال الثلاثة عشر قرنًا التي تلت ظهور الإسلام.

يقع الكتاب في عشرة فصول وخاتمة. يختص الفصل الأول بالإجراءات المنهجية والنظرية للدراسة، منها إشكالية الكتاب وأهميته وأهدافه وفرضياته والمناهج والتقنيات البحثية التي جرى توظيفها والمقاربات النظرية ونسق المفاهيم والدراسات السابقة. أما الفصل الثاني، فيتناول الإسلام في المملكة المتحدة، وفيه: مقدمة للتعريف بالمملكة وبواكير هجرة المسلمين إليها، ودور هذه الهجرة في إرساء أسس تعايش المسلمين واندماجهم في البلاد واعتناق الإسلام فيها.

الإسلام سيتحول تدريجياً ديناً رسميّاً في البلدان الأوروبية، كما تُظهره المؤشرات الإحصائية لأعداد المسلمين فيها

ويتناول الفصل الثالث البنية الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين في المملكة المتحدة، وذلك من خلال مؤشرات عددهم ونسبهم وتوزّعهم في الأقطار (إنكلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية) والأقاليم البريطانية، ومؤشرات رقمية أخرى تتعلق بالتوزّع النوعي (الجندر) والعمري ونسب التعليم والعمل والسكن والصحة، وغيرها. ثم يضيء الفصل الرابع  أكثر على الوجود الإسلامي في بريطانيا من خلال المساجد والمؤسسات والمنظمات الإسلامية، ويبيّن أهمية تلك المؤسسات ودورها في ترسيخ الهوية الإسلامية. ويتناول أيضًا مراكز دراسة الإسلام والمراكز العلمية الأكاديمية المهتمة به في الجامعات البريطانية.

ويستعرض الفصل الخامس أهمّ الجاليات المسلمة (غير العربية) في المملكة المتحدة، مثل الباكستانية والبنغالية والهندية المسلمة والتركية والقبرصية التركية والماليزية والكاريبية والصومالية والأفغانية والإيرانية. أما الفصل السادس فجاء مُكمِّلاً للفصل الخامس، بشأن الوجود الإسلامي في المملكة المتحدة، من خلال تسليط الضوء على الهجرة العربية إليها والجاليات العربية وخصائصها، ويتناول معظمَها، إن لم يكن كلها، وهي: العراقية واليمنية والمصرية واللبنانية والفلسطينية والسودانية والسورية والبدون الكويتية والتونسية والجزائرية والمغربية والليبية والسعودية والأردنية والخليجية، والدول العربية الأخرى.

ويتعلق موضوع الفصل السابع بـ "الإسلام في الغرب وسؤال الاندماج الاجتماعي"، وفيه تبسيط لمفهوم الاندماج والاندماج الاجتماعي في سياق الدراسة العلمية، والإطار الدولي لتعزيز الاندماج، ومفهوم كراهية الأجانب (Xenophobia) باعتباره أشد معوّقات الاندماج، بينما  يبحث الفصل الثامن في الهجرة واللجوء وقضية الاندماج الاجتماعي في بريطانيا، ويتناول بريطانيا بوصفها مجتمع تعددية ثقافية، وواقع الهجرة إليها والاندماج الاجتماعي (برامجه وفلسفته)، وسياسة الاستيطان المشتت للاجئين، وامتحان اللجوء، وواقع العمل والمساعدة الاجتماعية، وحالة الاندماج في لندن، واللجوء وإجراءاته في بريطانيا. ويفرد الفصل العائلة الجزائرية بالإشارة، باعتبارها نموذجًا وحالة خاصَّين يستحقان الإفراد، ويتناول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

ويختص الفصل التاسع بدراسة المشكلات التي تعترض المهاجر بعد استقراره في بلد المهجر، ويقسّمها إلى نفسية واجتماعية وقانونية واقتصادية وعنصرية. ويعرض أهم الأمراض النفسية لدى المهاجرين جراء الصدمات والظروف الصعبة التي مرّوا بها، ويضرب أمثلة عليها، إضافة إلى التأثير السلبي للتطرف في الحوار الحضاري.

ويتناول الفصل العاشر والأخير مسألة مواقف الأحزاب البريطانية من قضية الهجرة والاندماج، دارسًا أبرز الأحزاب السياسية على الساحة البريطانية، ومن ثم أحزاب اليمين المتطرف وحركاته وجذورها التاريخية ودوافع ظهورها وظروفه. وفي السياق نفسه، يعرض الفصل ويحلّل مواقف تلك الأحزاب ورؤاها من موضوع الإسلاموفوبيا.
 

المساهمون