في عام 1998، دعت منى أتاسي، إحدى المسؤولتَيْن عن "غاليري أتاسي" في دمشق، كلّاً من فاتح المدرّس وأدونيس إلى عقْد حوارٍ في منزلها، يدور بشكل أساسي حول تجربة المدرّس الذي كان قد تحوّل في ذلك الوقت إلى رمزٍ فنّي وموضوع احتفاء في المشهد الثقافي السوري.
بدلاً من يومٍ واحد، دام الحوار أربعة أيام؛ وكان محتواه، المسجَّل، موجّهاً إلى النشر في كتاب. غير أن رحيل المدرّس بعد أشهر قليلة (1922 - 1999) حال دون ذلك، ليتأخّر صدور الكتاب عشر سنوات، حيث أنتج "غاليري أتاسي" طبعة محدودة منه وزّعته على عدد من المثقّفين السوريين والعرب، تحت عنوان "فاتح وأدونيس: حوار" (2009).
عن دار "كاف بوكس"، صدرت حديثاً النسخة الإنكليزية من هذا الحوار، بعنوان "حوار فاتح أدونيس: الحدس والعقل"، بترجمة رولا بعلبكي. ويتضمّن العمل، أيضاً، نصّاً للشاعر السوري جولان حاجي، وآخَر للباحثة في الفن التشكيلي آمبرا دانتون، إضافةً إلى عدد من الأعمال الورقية للمدرّس، والتي تُعَدّ جزءاً من مقتنيات مجموعة "مؤسّسة أتاسي".
يلعب أدونيس، خلال أيام الحوار الأربعة، دور المُسائل والمحفّز على النقاش، إذ يطرح على المدرّس عشرات الأسئلة التفصيلية، إن كان حول سيرته الشخصية، أو حول عمله، ورؤيته الفنية، وحتى الفلسفية، ونظرته إلى فنانين آخرين. أسئلةٌ تنتقل، بفعْل التداعي الحُرّ، لتناقش مسائل في السياسة والفكر والقومية والتاريخ والانتماء والكثير من الموضوعات.
على أن الحوار لا يتحوّل أبداً إلى لقاءٍ صحافيّ تُبرَز من خلاله شخصية المدرّس وآراؤه؛ بل إنه يتّخذ صيغةً جدلية، حيث يتّفق كلّ من التشكيليّ والشاعر على القليل من الأفكار والمواضيع (ولا سيّما الفنّية) ويختلفان على الأغلب منها (الفكرية والسياسية والتاريخية)، ما يضع متلقّي الحوار أمام خطابين ونظرتين مختلفتين تماماً ليس إلى سورية وفنّها فحسب، بل وإلى الثقافة العربية أيضاً.