تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد المعماري البرازيلي أوسكار نيماير (1907 – 2012).
يشير أوسكار نيماير، الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، في مقابلة صحافية، إلى أنه لم ينجذب يوماً إلى الزوايا المستقيمة أو الخط المستقيم، الثابت وغير المرن، بل كان منجذباً إلى المنحنيات الحسية التي تتدفق بحرية؛ المنحنيات التي وجدها في جبال بلاده، في تعرّج أنهارها، وفي أمواج المحيط الأطلسي، وفي جسد المرأة الحبيبة، حيث تشكّل المنحنيات الكون بأكمله، الكون المنحني بحسب أينشتاين.
المنحنيات التي ميّزت مشروع المعماري البرازيلي (1907 – 2012)، عبّرت عن مفهوم أساسي لديه بأن العمارة لا تؤدي وظيفة محددة، لأنه قلَب المنظور السائد في العمارة الحديثة بأن الشكل يتبع الوظيفة، وبرهن، بدلا من ذلك، على أن الشكل عندما يخلق الجمال تصبح له وظيفة.
استندت رؤية نيماير إلى إيمانه بعمران يعبّر عن ثقافة بلاده وتنوّعها الجغرافي والطبيعي، ووفق ذلك أتت مشاريعه المعمارية في العاصمة البرازيلية، برازيليا، كأنها تشكيل من حركاتها المتتالية، من رؤية حداثوية تبرز عناصر عديدة من حضارة أميركا اللاتينية وأساطيرها.
لم تنفصل هذه الرؤية عن قناعاته السياسية، حيث انخرط في صفوف الحزب الشيوعي البرازيلي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث اعتبر الدارسون لتجربته أن كراهيته للزوايا القائمة أتت كردّة فعل ضد العمارة التي فرضتها النظم الرأسمالية بخطوط مستقيمة تفسد الفراغ وتحجب الضوء، وتبدو كأنها في حالة صدام وتنافر مع الطبيعة.
رأى المعماري البرازيلي أن الشكل عندما يخلق الجمال تصبح له وظيفة
درس نيماير في المدرسة الوطنَية للفنون الجميلة في ريو دي جانيرو، وبدأ حياته المهنية في الثلاثينيات من القرن الماضي مع مشاركته في تصميم عدد من المشاريع الحكومية، ثم عمل مستشاراً لشركة المخطط الحضري البرازيلي لوسيو كوستا، ووضع خلال عدّة عقود مخططات لأبرز المباني في بلاده.
وفي الفترة نفسها عمل مع فريق ضمّ أبرز المعماريين العالميين، من أمثال لو كوربوزييه وأفونسو إدواردو ريدي وكارلوس ليون وجورج موريرا وغيرهم، في أعمال شيّدت وسط مدينة ريو دي جانيرو، جلبت له الشهرة خارج البرازيل، حيث استدعي عام 1947 للمشاركة ضمن فريق التصميم الدولي المشكل بهدف تصميم مقر مركزي جديد للأمم المتحدة في نيويورك.
لم يكتف نيماير بالممارسة العملية، إذ عمل محاضراً غير متفرغ في "جامعة هارفرد" منذ الخمسينيات، وظهرت آراؤه الجريئة في مسارات عديدة، منها تصميمه هيكلاً رئيسياً لمبانٍ ألغى فيها التقسيم الصلب إلى طوابق، ومزج بين أفكار تنتمي إلى عمارة الباروك في بنى الحداثة، بحيث تتداخل الغنائية والصرامة في آن.
في منتصف الستينيات، وظّف أفكاره الثورية في عملية إعادة تخطيط مدينة برازيليا، فصمّم قصر بلانالتو كصندوق زجاجي مستطيل رفعه عن الأرض على سلسلة من أعمدة الدعامة الباليتية، وكاتدرائية متروبوليتان، ووزارة التربية والتعليم والصحة، وغيرها.
وبسبب معارضته للنظام الدكتاتوري الذي قام في بلاده بعد الانقلاب العسكري عام 1964، عاش نيماير في المنفى حوالي عقدين، حيث سعى إلى نشر فلسفته حول خصوصية معمارية للثقافات المتعدّدة خارج نسق الحداثة، حيث صمّم المركز الدولي للمعارض بمدينة طرابلس في لبنان، على الرغم من اكتمال البناء، إلا أنه لم يفتتح بسبب الحرب الأهلية، إلى جانب تصميمه جامعة قسنطينة في الجزائر، والمقر العام للحزب الشيوعي الفرنسي في باريس.