تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الحادي والثلاثون من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد المؤرخ والآثاري المصري حسن عبد الوهاب (1898 – 1967).
في كتابه "بين الآثار الإسلامية"، أسّس حسن عبد الوهاب ــ الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده ــ لموسوعة تشتمل جميع آثار مصر منذ الفتح الإسلامي وحتى عهد الملك فاروق، ضبط خلالها التعريفات العلمية لكلّ أثر، مع تاريخ نشأته وتطوّره المعماري، ووظائفه الدينية والاجتماعية والاقتصادية التي كان يؤدّيها، إلى جانب صور فوتوغرافية لكلّ مَعْلم.
تنبّه المؤرّخ والآثاريّ المصري (1898 – 1967) إلى تصنيف هذه الآثار بحسب تسلسل بنائها، مفتتحاً كتابه بجامع عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط الذي أنشئ عام 21هـ/ 642 م بمساحة صغيرة لا تتجاوز سبعين متراً، لتتضاعف مساحته ستّة عشر ضفعاً مع التوسّعات المتتالية فيه، ومنهياً مؤلّفه بمسجد الرفاعي الذي يقع في ميدان صلاح الدين القاهري، والذي أُمر بتشييده عام 1286هـ 1869م زمن الخديوي إسماعيل، واستُكمل بناؤه عام 1912.
ميّز عبد الوهاب بين الجامع والمسجد، حيث تؤدّى في الأول صلاة الجمعة وكان يوجد في مراكز المدن، بينما تنتشر المساجد في جميع المناطق والأحياء وكانت تخصّص للصوات الخمس، كما يوضّح تاريخ نشأة المدارس منذ العهد الأموي، والتي تطوّرت معمارياً واتسع دورها العلمي في العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية، لكنها ظلّت تحمل وظيفة مزدوجة، حيث كانت مكاناً للصلاة وللتدريس وتلقّي العلم أيضاً.
ركّز في كتابه على التفاصيل المعمارية وجهود الترميم التي بُذلت على مرّ العصور
وركّز كذلك على التفاصيل المعمارية في كتابه، وذلك في محاولة لتقديمها إلى القارئ العادي، وجهود الترميم التي بُذلت على مرّ العصور وغيّرت من تصميم العديد من المباني التاريخية، حيث يشير إلى أن الجامع ضمّ عادة أربعة إيوانات مسقوفة تُبنى فوق عقود ويتوسّطها صحن مكشوف في وسطه فسقية (حوض الماء)، كما تتضمّن المدرسة إيوانين أو أربعة إيوانات معقودة متقابلة، لكن تصميمها أصبح أكثر تشابهاً بعد القرن التاسع الهجري، مع فوارق قليلة.
ولم يكتفِ بالتوثيق النظري الذي يشير إلى تعليمه الأكاديمي في الآثار والعمارة، وإلى معرفته التاريخية، بل أرفق عشرات الصور التي التقطها بنفسه في إضافة نوعية للكتاب، وهو جهد واظب عليه في معظم مؤلّفاته، إلى جانب مخططّات معمارية من أرشيف لجنة حفظ الآثار العربية، مع تثبيته شروحات للصور والمخطّطات، للتعريف بأجزاء وتفاصيل كلّ مبنى.
درس عبد الوهاب مبادئ العلوم في الأزهر، ثم التحق بتجهيزية دار العلوم، وتتلمذ على يد عدد من الآثاريين الأوروبيين الذين عملوا في مصر آنذاك، ومع السويسري هرتز بك ومع والفرنسي غاستون فييت، ومع المعماري محمد باشا أحمد الذي كان أوّل مصري يشغل منصب مفتّش الآثار في بلاده.
وخلال عمله، اكتشف عدداً من المواقع الأثرية، منها: محراب المعز لدين الله في الأزهر، وتابوت المشهد الحسيني في مسجد الحسين، وفسيفساء قبة الصالح نجم الدين أيوب، وعثر أيضاً على العديد من القطع الفنية النادرة المحفوظة في "متحف الآثار الإسلامية" بالقاهرة،
ألّف عبد الوهاب عدداً من الكتب مثل "تاريخ المساجد الأثري"، و"تخطيط القاهرة و تنظيمها منذ نشأتها"، و"العمارة في عصر محمد علي"، و"تاريخ الشرطة في العصر الإسلامي"، و"جامع السلطان حسن وما حوله"، و"خانقاه فرج بن برقوق وما حولها"، و"رمضان"، و"العمارة والآثار والعادات في عهد الدولة الفاطمية".