تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني من آب/ أغسطس، ذكرى المحقق والناقد المصري عبد العليم القباني (1918 – 2001).
في كتابه "نشأة الصحافة العربية بالإسكندرية" (1973)، يشير عبد العليم القباني الذي تحلّ اليوم الإثنين ذكرى ميلاده إلى جملة عوامل ساهمت في نهوض الإسكندرية منذ منتصف القرن التاسع عشر منها إنشاء الميناء الغربي الكبير، وإقامة دور الصناعة المدنية والعسكرية، وشركة الملاحة، ومدّ سكة الحديد بينها وبين القاهرة، فتدفقت الهجرات إلى المدينة من داخل مصر وخارجها.
يستعرض المحقق والناقد المصري عبد العليم القباني (1918 – 2001) الهجرات التي أتت من بلاد الشام وساهمت في تطوّر المدينة اقتصادياً واجتماعياً، كما تركت أثرها البالغ في الحياة الثقافية والفنية وفي تشكّل الصحافة السكندرية الحديثة، حيث كانت لدى الشوام معرفة سابقة بهذه المهنة من خلال محاولاتهم الأولى في الدولة العثمانية، ولم تكن الصحافة القاهرية قد سبقتها إلا بصدور بضع جرائد ومجلات.
ويوضّح القباني أن العدد الأول من جريدة "الكوكب الشرقي" صدر في الإسكندرية عام 1873، لتكون أول صحيفة سكندرية يؤسسها سليم الحموي، لكنها توقّفت بعد إصدارها عدّة أعداد لكنه نشر بعد خمس سنوات جريدة "الإسكندرية، ثم جاء بعدهما الشقيقان سليم وبشارة تقلا سنة 1875 ليفتتحا مطبعة وصحيفة باسم "الأهرام" أواخر عهد حكم الخديوي إسماعيل الذي شهد إطلاق حرية الصحافة مع دخول البلاد أزمة مالية، ما تسبّب بتدخّل فرنسا وبريطانيا في شؤون مصر.
أصدر عدداً من الكتب التي تؤرخ لسير عدد من الكتّاب والأحداث الثقافية في مصر
ويلفت إلى أن "الأهرام" مارست انتقاداتها لسياسات الخديوي إسماعيل، مستفيدة من تمتّع صاحبيها بالجنسية الفرنسية خلافاً للترخيص الذي استحصلا عليه وينص على عدم اشتغالهما بالسياسة، ما أدى إلى سجنهما عدّة أيام ثم خروجهما بفعل تدخّل القناصل الأوروبيين، لتتوقف بعدها عن الصدور بعد تنحية إسماعيل وتعيين ابنه باتفاق مع بريطانيا وفرنسا، ثم عاودت الصدور عام 1881.
ويوثّق الكتاب لعلاقة "الصحيفة بعد سيطرة البريطانيين على مصر بين مدّ وجزر، ثم انتقالها إلى القاهرة لتصدر من هناك حتى اليوم، وتلاها إصدار جمال الدين الأفغاني جريدة "مرآة الشرق" كما أنشأ أديب إسحاق وسليم نقاش جريدة "مصر" في القاهرة ثم نقلاها إلى الإسكندرية، إلى جانب صحيفتي "التجارة" و"مصر الفتاة" اللتين أُغلقتا ثم صدرت جريدتا "العصر الجديد" و"المحروسة"، وبعدهما جريدة "التنكيت والتبكيت" التي أصدرها الكاتب عبد الله النديم، واهتمت باللغة العربية والحفاظ عليها في وجه تغول اللغات الأجنبية، و"الاتحاد المصري" و"البرهان" و"الاعتدال" وغيرها.
ولد القباني في بلدة مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وانتقل مع والده إلى الإسكندرية وعمره خمس سنوات، والتحق بالدراسة فترة قصيرة، حيث تعلّم على يد عدد من المشايخ والكتّاب منهم أحمد البصال وعمر الجندي وفريد أبو حديد وغيرهم، وشقّ حياته نحو الكتابة الأدبية والنقدية.
ويعتبر أيضاً أحد الشعراء الكلاسيكيين، حيث وضع العديد من الدواوين منها "أشعار قومية" (1966)، و"بقايا سراب" (1970)، و"ملحمة الثورة العرابية" (1982)، و"قصائد من حديقة الحيوانات" (1984)، و"أغنيات مهاجرة" (1985)، و"حدث في قصر السلطان" (1988)، و"ثورة الرماد" (1989)، و"العزف على أوتار لم تتمزق بعد" (1996)، و"من غير زواق" (2001)، إلى جانب كتاب "قوس قزح: ثلاث مسرحيات".
وأصدر أيضاً عدداً من الكتب التي تؤرخ لسير عدد من الكتّاب والأحداث الثقافية في مصر مثل "شعراء الإسكندرية في العصور الإسلامية" (1964)، و"مع الشعراء أصحاب الحرف" (1967)، و"محمود بيرم التونسي وشعره الفصيح" (1969)، و"رواد الشعر السكندري في العصر الحديث" (1972)، و"طه حسين في الضحى من شبابه (1908-1913)" (1976)، و"عبد الحميد السنوسي: شعره وحياته" (2000).