تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الشاعر والروائي الفرنسي لويس أراغون (1897 – 1982).
مزَج لويس أراغون الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده بين فنون شعرية شعبية من التراث الأندلسي مع أخرى تعود إلى التقليد الشعري الفرنسي، بحسب العديد من الدراسات التي تشير إلى تكييفه للزجل الذي انتقل من اللغة العربية إلى القشتالية في القرن الرابع عشر، ومنها إلى عدد من اللغات الأوروبية.
استعار الشاعر والروائي الفرنسي (1897 – 1982) فضاء الأندلس في كتابه "مجنون إلزا" (1963) الذي بدأ تأليفه نهاية الخمسينيات في فترة إنهاء الاستعمار مع تأييده لثورة التحرير الجزائرية، محاولاً الانتصار للعقلانية الإسلامية التي ميّزت الحياة الفكرية في الأندلس قبل سقوطها وبدء محاكم التفتيش التي عبّرت عن لحظة انحطاط ثقافي وسياسي في التاريخ الأوروبي.
يتناول أراغون في الكتاب مرحلة تاريخية مهمة تمثّلت بسقوط غرناطة عام 1492، بالتزامن مع اكتشاف كريستوفر كولمبس للعالم الجديد، حيث كانت نقطة تحوّل قادت إلى صعود سياسي للمسيحية في الغرب في أكثر صورها عنصرية ودموية، بينما عاش العالم العربي والإسلامي تراجعاً كبيراً انتهى باستعماره.
وضع تنظيرات مهمة في الأسلوبية الشعرية، وساند معظم قضايا التحرّر في العالم الثالث
ويسعى أيضاً إلى إنصاف شخصية أبي عبد الله الصغير، آخر حكّام الأندلس، الذي تشكّلت حوله صورة الملك الجبان الخائن، حيث يرى أنه تعرّض لجملة من الأكاذيب، فيما كان شخصية مؤثرة سعت للدفاع عن حلمها وتأخير سقوط مملكته لسنوات عديدة قبل أن يخونه وزيره وصديقه ابن كماشة.
وُلد أراغون في باريس، وانخرط في عدد من التيارات الثقافية مثل الدادائية ثم السوريالية التي كتب تحت تاثيرها عدداً من الأعمال، منها: "نار الحبور" (1920)، و"آنيسي" (1921)، و"فلاح باريس" (1926)، قبل أن يتحوّل إلى الشيوعية مطلع الثلاثينيات وتتغيّر رؤيته للثقافة والأدب بشكل خاص، حيث سبّبت قصيدته "الجبهة الحمراء" دخوله السجن.
عمل في الصحافة، ووضع عدداً من التنظيرات المهمة في الأسلوبية الشعرية، وساند معظم قضايا التحرّر في العالم الثالث، حيث وقف إلى جانب مصر في أثناء العدوان الثلاثي فيها من قبل بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل"، كذلك ساند حركة المقاومة الشعبية في الجزائر وفيتنام، وكان من أشدّ المعارضين للأنظمة الفاشية في القارة الأوروبية.
يشير أراغون في إحدى مقابلاته الصحافية إلى أن الأندلس سحرته، حيث عاش في مدنها نجو أربعة سنوات شغف خلالها بالتراث الشعري الأندلسي الذي أصبح جزءاً من التقاليد الشعرية في الكلاسيكيات الإسبانية، حيث اعتبر نفسه مجنون إلزا محاكاة لمجنون ليلى في الثقافة العربية، وصوّر في أكثر من كتاب عشقه لإلزا تريوليه التي التقاها أول مرة عام 1928، وتزوجها عام 1939 وعاشا معاً أكثر من أربعين عاماً.
ألّف عدداً من الروايات، منها: "إيرين"، و"أجراس بال"، و"أورليان"، و"الأحياء الجميلة"، و"المسافرون على عربة إمبريال"، و"حكم بالإعدام"، بالإضافة إلى مجموعات شعرية مثل "عيون إلزا"، و"متحف غريفان"، و"قلب كسير" وغيرها.