تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثامن والعشرون من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد الكاتب التونسي محمود المسعدي (1911 - 2004).
تمرّ ذكرى ميلاد محمود المسعدي، اليوم، باهتة كحالها في سنوات ماضية. حتى مئوية ولادته في عام 2011 مرّت دون أن تترك أثراً، ربما لأن تونس وقتها كانت تعيشها تداعيات ما بعد هروب زين العابدين بن علي.
يحدث ذلك وكأن بلداً فقد ذاكرته. فطالما كان المسعدي الاسم الأدبي الأبرز بفضل حضوره الطاغي في المقرّر الدراسي للباكالوريا. كان "السد" عبارة عن مصفاة لمن يستحق العبور نحو التعليم العالي ومن عليه أن يفكّر في مسارات أخرى من الحياة.
بين هذا الحضور الطاغي في الكتاب المدرسي، وغياب الاحتفاء به ضمن المشهد الثقافي، ترتسم إشكاليات المسعدي اليوم؛ هل أن قيمته الأدبية مرتبطة بأهمّية نصّه أم بموقعه الذي كرّسته الدولة؟ وهل نستطيع اليوم أن نقرأه دون أن نراه رجل دولة قبل كل شيء؟ هل يوجد امتداد لنظرته للكتابة والعالم؟
في الحقيقة، يبدو أن المسعدي (الكاتب) قد ظلم نفسه. كانت المشاغل والمناصب قد أخذت معظم جهده ووقته، فانتقل بين الوزارات ثم استقر رئيساً للبرلمان، وعاش عقوداً على ما أنجزه في سنوات شبابه حين كتب "حدّث أبو هريرة قال" و"السد" و"مولد النسيان" ووضع أبرز مقالاته التي جُمعت لاحقاً في كتاب بعنوان "تأصيلاً لكيان".
صدر له بعد سنوات طويلة كتاب "من أيام عمران"، لم يحمل أي شيء لامع ولم يشفع له أن وقت كتابته قد "اختُلس" من بين المسؤوليات. ثمّ تتالت طبعات الأعمال الكاملة، وكل واحدة منها كانت تضيف بضعة نصوص، لكنها كانت تثبت أن نار الإبداع قد خبت في ذات الكاتب منذ أن خاض "مغامرة" المناصب.