كما هو الحال في الفنّ الإسلامي، بشقَّيه العربي والفارسي، تشكّل المنمنمات واحدةً من أولى تمظهرات ومصادر الفنّ التصويريّ في الهند، حيث اعتاد النُّسّاخ والفنّانون تزيين المخطوطات والكتب برقعٍ ملوّنة توضّح النصّ المكتوب وتصوّر بعضاً من مشاهده.
على أنّ تاريخ هذه الرسومات الصغيرة سجّل اختلافاً عن ذاك الذي عرفته الحضارتان العربية والفارسية، ليس فقط في المواد التي كان يستخدمها فحسب ــ كأوراق الخيزران والقنّب، بدلاً من ورق البرديّ ــ، بل أيضاً بالمواضيع والأشكال التي يتناولها، حيث تغلب على الصورة عناصر الخارج ــ من مناظر طبيعية وحيوانات ــ، في حين تميل المنمنمات الإسلامية، في الأغلب، إلى تصوير شخصيات ومجالس عِلم أو مواضيع دينية.
رجا رام شارما (1958) من الفنانين الذين تقوم تجربتهم بشكل أساسي على استعادة تراث المنمنمات في الهند وتجديده، لا بوصفه إيضاحاً للنصوص، بل كعملٍ كفني قائم بذاته؛ وهو ما يفعله في معرض يستضيفه غاليري "فيكتوريا مونرو" بنيويورك حتى الثاني عشر من آذار/ مارس المقبل، بعنوان "منمنمات هندية معاصرة".
يضمّ المعرض نحو ثلاثين قطعةً بحجم صغير (بين 3 و10 سم) تشكّل الطبيعة الموضوع الأساسي لأغلبها، حيث السهول والتلال وضفاف الأنهار التي تُجاورها أحصنةٌ أو فيَلة، في حين تركّز بعض القطع المعروضة على مشاهد عمرانية من منازل وقصور.
يصوّر الفنان الهندي موضوعاته ضمن مشهد واسع، عن بُعد أو من الأعلى، موسّعاً من خلال هذه التقنية البصرية المساحة الصغيرة التي تُحدّد المنمنمة عادةً، لتصير مساحةً تستضيف عالماً أكبر من ذلك الذي اعتدنا عليه. كما يحافظ رجا رام شارما، في بعض اللوحات، على المنظور التقليدي، ذي البُعدين، الذي عُرف في الفنون الآسيوية القديمة وفي الفنون الإسلامية، حيث تتراكب العناصر التي تتكوّن منها اللوحة فوق بعضها، مع تغييبٍ متعمّد للعمق والأفق في المنظَر المصوَّر.