كان آراتا إيسوزاكي في الرابعة عشرة من العمر عندما قصفت الولايات المتّحدة الأميركية مدينتين في بلده اليابان -هما هيروشيما وناغازاكي- بالقنبلة النووية. ورغم أنه كان مقيماً مع عائلته في ويتا، على بُعد أكثر من 300 كيلومتر من المدينتين المنكوبتين، إلّا أن الطفل لم يعش بعيداً عن آثار القصف، الذي استهدف مدينته أكثر من مرّة خلال الحرب العالمية الثانية.
لاحقاً، سيكرّر المِعماري الياباني، في العديد من حواراته، أنه نشأ على "أرضٍ يباب": "أصاب الدمار بلدي عندما بلغتُ عمراً رحتُ معه أفهم العالم (...). كان كلّ شيء خراباً. لم يعد ثمة عمارة أو مبانٍ أو حتى مدينة". ويضيف: "أوّل تجربة معمارية لي كانت، إذاً، غياب العمارة".
عن واحدٍ وتسعين عاماً، رحل آراتا إيسوزاكي، قبل أيام، في مدينة ناها بجزيرة أوكيناوا (أقصى جنوب الأرخبيل الياباني)، لتفقد اليابان "أحد روّاد الهندسة المعمارية الذين صمّموا المباني والصروح حول العالم، متجاوزين الحدود الوطنية والثقافية"، بحسب وصف موقع "كاسو" الياباني (بالإنكليزية).
وُلد إيسوزاكي عام 1931 في مدينة ويتا، وانتقل مطلع الخمسينيات إلى طوكيو لدراسة العمارة في جامعتها. وبعد تدريب لعامين في أحد مكاتب الهندسة المعمارية، سيفتتح مكتبه الخاص بدءاً من 1964، وهو العام الذي سيُصبح فيه أيضاً أستاذاً مساعداً بكلّية الهندسة في "جامعة طوكيو".
أبدى الفنان الراحل اهتماماً، في بداياته، بما يُعرف بالعمارة الاستقلابية، وهي حركة نشأت في بلده بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقالت بضرورة استلهام التصميم المعماري الحضري -ولا سيّما تصميم البنى التحتية الأساسية- من عالم البيولوجيا والتطوّر الحيوي.
لكنّه سيتّخذ مسافةً من هذه الرؤية، لاحقاً، ليستعيد العلاقة بالهندسة المعمارية اليابانية كما تعلّمها في الجامعة، وكما عرفها أغلب معاصريه: أي إعطاء الأبعاد والتقابلات الهندسية دوراً محورياً في العمل، وهو ما سيُلحَظ في العديد من تصميماته التي تجمع بين الدقّة والصفاء، إلى درجةٍ ربما تُشعرنا بالبرودة من فرط انتظامها.
ترك إيسوزاكي بصمته في العديد من العواصم والمدن حول العالَم، من كيوتو إلى برشلونة وبيلباو ولوس أنجليس، مروراً بوارسو وتورينو والدوحة، كما تُوِّجَ مسارُه، عام 2019، بجائزة "بريتزكر"، التي توصَف بأنها "جائزة نوبل للعمارة"، في إشارة إلى أهمّيتها ومكانتها المرموقة في هذا المجال.