يعدّ المخرج اللبناني برهان علوية (1941 – 2021) الذي رحل أمس الأربعاء في بروكسل إثر إصابته بنوبة قلبية، أحد أبرز صنّاع السينما اللبنانية منذ أعماله الأولى التي قدّمها في سبعينيات القرن الماضي، واشتبك خلالها مع الأزمات السياسية والاجتماعية في مرحلة مهمّة من تاريخ بلاده.
تعامَل الراحل مع السينما بوصفها أداة تغيير من خلال ما تناوله من إشكاليات ومساحات حرجة تتعلّق بالحرب الأهلية اللبنانية والذاكرة والصراع والهوية والمنفى والعلاقات الإنسانية، وكذلك في تناوله الصراع العربي الإسرائيلي وتأثيره في لبنان.
قدّم فيلم "كفر قاسم" عام 1975، وفيه يعود إلى إعلان الاحتلال الإسرائيلي حظر تجوّل في فلسطين المحتلة دون سابق إنذار للسكّان سنة 1956، فيُفاجأ سكّان بلدة كفر قاسم لدى عودتهم من أعمالهم بحصار من قبل جيش الاحتلال، الذي سيرتكب مجزرة تحصد أرواح العشرات، وأبدع في الوقت نفسه في إبراز الحياة الاجتماعية للبلدة قبل الاحتلال، والمأساة التي عاشوها بعده.
تناول في أفلامه الحرب الأهلية اللبنانية وقضايا الهوية والمنفى والعلاقات الإنسانية
ولد علوية في بلدة أرنون بجنوب لبنان في عام 1941، لوالد يعمل في الدرك متنقّلاً بحكم وظيفته بين مدن وبلدات لبنانية مختلفة حتى استقر في بيروت عام 1956، حيث درس علوية في مدرسة عين الرمانة، وعمِل مساعد مصور في "تلفزيون لبنان".
التحق بقسم العلوم السياسية في "الجامعة اللبنانية"، ودرس في "المعهد الوطني العالي لفنون العرض وتقنيات البث" (إنساس) في العاصمة البلجيكية، حيث قدّم في سنة تخرّجه فيلماً قصيراً بعنوان "ملصق ضد ملصق"، وبعدها قدّم فيلماً آخر بعنوان "فوريار".
عاد علوية إلى بيروت مرة أخرى، وقدم أفلاماً روائية ووثائقية، ومنها فيلمه "بيروت – اللقاء" (1982)، الذي تناول قصّة طالبَيْن جامعيّين هما حيدر وزينة، جمعها الحب وفرّقتهما الحرب الأهلية اللبنانية، إلى جانب حكايات أخرى تجسّد الضياع والعبث الذي عاشه جيلٌ كامل من اللبنانيين في صراع سبّب انهيار القيم وتخلّي العديد من الناس عن مبادئهم التي حاربوا لأجلها.
واصل الإخراج إلى جانب عمله أستاذاً محاضراً في "الجامعة اليسوعية" ببيروت، حيث أنجز أفلاماً عديدة، منها: "خلص"، و"رسالة من زمن المنفى"، و"أسوان والسد العالي"، و"رسالة من زمن الحرب" الذي يتناول الدمار الذي عاشه لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي، من خلال التركيز على مذكّرات الناجين من الحرب، وفهم خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية ونظرتهم للوطن خلال فترة تفكّكه وتقاتل المليشيات عليه.
وأخرج علوية فيلم "لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء" (1978) الذي وثّق سيرة وتجربة المعماري المصري حسن فتحي (1900 – 1990) الذي زاره علوية في القاهرة، وحاول من خلال هذا العمل إيصال رؤية فتحي في تأسيس عمارة أصيلة ومتجذرة في ثقافة المنطقة، مبنية على الموارد الطبيعية: الطين والحجر والأرض والحرف المصاحبة وتقنيات البناء.