مرّ رحيل المؤرّخ الفرنسي، بول فاين، يوم الخميس الماضي (1930 ــ 2022)، دون أيّ صدى يُذكَر في الفضاء الثقافي أو الإعلامي العربي، على الرغم من أهمّيته كأحد أبرز المتخصّصين في أيامنا بالمرحلة الإغريقية ـ الرومانية، كما أنّ أعماله لم تعد مجهولةً تماماً في لغة الضاد.
وكانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت صدور ترجمتَين عربيتين لاثنين من أبرز أعمال المؤرّخ الراحل: "هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم؟"، الذي صدر عام 2016 عن "هيئة البحرين للثقافة والآثار" بترجمة جورج سليمان، و"كيف نكتب التاريخ"، الذي أصدره "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في سلسلة "ترجمان"، بترجمة سعود المولى ويوسف عاصي، عام 2021.
اهتمامُ صاحب "سينيكا: مقدّمة" بالتاريخ القديم لجنوب البحر المتوسّط قاده إلى وضع العديد من فصول كتبه حول الإرث الإغريقي والروماني في البلاد العربية وتقاطعه مع ثقافات المنطقة، كما أنه خصّص كتاباً لتدمر، أصدره عام 2015 بعنوان "تدمر: كنزٌ لا يُعَوَّض"، في وقتٍ كانت ترزح فيه المدينة تحت تدمير "داعش" لآثارها، في ظلّ "تسامُح" للنظام السوري مع ذلك.
وضع بول فاين نحو عشرين كتاباً خلال مسيرته، وفي حين خصّص القسم الأكبر منها لمراحل وتفاصيل مفصلية ويومية من التاريخ الإغريقي والروماني، إلّا أنه كتب أيضاً في عِلم التاريخ، إلى جانب أعمال في السيرة الفكرية (مثل "ميشيل فوكو: فكرُه وشخصُه"، 2008) والأدبية (مثل "رنيه شار في قصائده"، 1990).
درّس الراحلُ التاريخَ القديم لأكثر من عقدين في "كولّج دو فرانس" (1975 ــ 1999)، كما عُرف بقرابة فكرية بينه وبين المفكّر الفرنسي ميشيل فوكو، الذي تأثّر فاين بأسلوبه الأركيولوجي في الكتابة التأريخية، وهو تأثيرٌ اعترف به فاين في مقال بعنوان "فوكو يُقيم ثورة في التاريخ"، ضمّه لاحقاً إلى مؤلَّفه "كيف نكتب التاريخ".