لم يثر كتاب العالم والمفكّر البيئي البريطاني، جيمس لفلوك، "غايا: نظرة جديدة إلى الحياة على الأرض"، كثيراً من النقاشات عند صدوره عام 1979. لا بل إنه كان مدعاة للتهكّم من قِبل بعض الصحافيين والباحثين، الذين رأوا أنه يمزج بين مصادر من الميثولوجيا اليونانية والعِلم، ما يخفّف من قدرة أطروحاته على الإقناع.
يوم الثلاثاء الماضي، السادس والعشرين من تمّوز/ يوليو، رحل جيمس لفلوك عن عالمنا هذا عن 103 أعوام (1919 ــ 2022)، في بلدة أبوتسبوري بمقاطعة دورست في بريطانيا، بعد أن كان شاهداً على كيفية تغيّر النظرة إلى كتابه الأوّل ذاك، وإلى كتبه اللاحقة، في العقدين الأخيرين، حيث باتا في قلب النقاشات حول الأرض والبيئة والمناخ.
ولعلّ المقولات التي جاء بها الباحث الراحل منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت سابقةً على زمانها، حيث دافع، استناداً إلى حسابات وأرقام ومصادر من علوم الأحياء والمناخ وغيرها، بأننا سنصل إلى فترات ترتفع فيها الحرارة تدريجياً على سطح الأرض، ويختلّ فيها التوازن المناخي، مستشرفاً موجات الحرّ والأمطار والعواصف المتزايدة في السنوات الأخيرة، ومتحدّثاً عن هجرات بشرية نحو القطبين اللذين سيكونان المكانين الوحيدين المعتدلين، ضمن مستقبل بعيد.
على أن أطروحة لفلوك الأساسية، خلال مساره الفكري والعلمي، تتمثّل بنظريته المعروفة بـ"فرضية غايا"، في إحالة إلى اسم الأرض باليونانية، وهو أيضاً اسم آلهة كان اليونانيون القدماء يرون أنها أصل كلّ شيء.
وتفيد "فرضية غايا" بأن الأرض تمثّل نظاماً ضخماً يُدير نفسه بنفسه، بفضل التكامُل بين عناصره الحيّة وغير الحيّة، بما يساعد على إيجاد الظروف المناسبة للحياة عليه. ولقول الأمور بلغة لفلوك، فإن غايا عبارةٌ عن "نظام فيزيولوجي ديناميكي، يشمل المحيط الحيويّ، وهو السبب في الحفاظ على علاقة وئام بين كوكبنا والحياة منذ أكثر من ثلاثة مليارات سنة".
وإن كانت لغة لفلوك هذه، واليقين الكبير الذي يُبديه في أطروحاته، قد جلبا له الكثير من النقد وتسبّبا في أن قُوبلتْ أطروحاتُه بالشكوك، إلّا أنهما فتحا الباب على حقل جديد من الدراسات التي باتت شائعة وضرورية اليوم، والتي تجمع بين علوم الأحياء والأرض والمناخ والبيئة وغيرها، وتسعى إلى تفكيك الأزمات المناخية والبيئية التي يعيشها كوكبنا بشكل متزايد منذ سنوات.