رحل صباح اليوم، الكاتب والقاص المصري سعيد الكفراوي (1939-2020)، بعد صراعه مع المرض ودخوله إلى المستشفى عدة مرات منذ نيسان/ أبريل الماضي. أخلص الكاتب لجنس القصة القصيرة وأصدر مجموعات كانت موضوعاتها غرائبية وتحضر فيها خصوصية الريف المصري.
ظل الكفراوي ابن "كفر حجازي"، منتمياً إلى القرية بشكلها القديم، إنه من الكتّاب الفلاحين الذين استطاعوا عبر ما كتبوه أن يحافظوا على وجدان وتاريخ وروح تلك القرية، التي ظل مرتبطاً بها ومتردداً عليها وعلى مولد إبراهيم الدسوقي بربابته، وتحولت هذه التفاصيل كلها إلى عناصر في قصصه القصيرة.
ومثل أبناء جيله من كتّاب الستينيات، محمد مستجاب، محمد البساطي، وعبد الحكيم قاسم، الذين استطاعوا عبر مشاريعهم في الكتابة أن يبرزوا الريف المصري، كان الكفراوي منهمكاً بشكل أساسي بمناطق غامضة من ذلك الريف، بحسب تعبيره في مقابلة تلفزيونية يقول فيها: "انشغلت بأسئلة الأحلام، والحيوان والإنسان، والحياة والموت، الريف والمدينة، الطفولة والكهولة، المكان والزمان".
كتب الناقد شكري عياد قائلاً عن مجموعته "سدرة المنتهى" إن "الزمن عند الكفراوي كتلة واحدة لا يتميز فيها الماضي عن الحاضر أو المستقبل. القصة تتحول إلى تمثال حين يتحول الزمن إلى زمن بئر تتقطر فيه تجارب البشرية التي لا تختلف في جوهرها بين إنسان عاش منذ آلاف السنين، وإنسان يولد اليوم أو يموت في قرية مصرية. فالولادة والموت أيضاً لا فرق بينهما في الزمن البئر، والزمن البئر هو مفهوم الفنان للخلود والروح والحضارة وتاريخ الإنسان".
كوّن الكفراوي في بداية الستينيات ناديًا أدبيًا في المحلة الكبرى مع أصدقائه "شّلة المحلّة"، كما كان يسميها، وهم جابر عصفور ومحمد المخزنجي ومحمد المنسي قنديل وصنع الله إبراهيم ونصر حامد أبو زيد ومحمد صالح وفريد أبو سعدة وجار النبي الحلو.
تعرض للاعتقال سنة 1970، قبيل أيام من رحيل جمال عبد الناصر، بسبب قصة كتبها ونشرها في مجلة "سنابل" التي كان يصدرها الشاعر محمد عفيفي مطر وكانت نافذة لاكتشاف أسماء واعدة في الشعر والقصة والفن التشكيلي. ظل الكفراوي لستة أشهر يخضع لتحقيقات، صباحًا باعتباره شيوعياً لأن أصدقاءه شيوعيون، وليلًا باعتباره من الإخوان المسلمين لأن خاله كان ممن حوكموا مع سيد قطب. بعد خروجه من المعتقل حكى الكفراوي ما حدث له لنجيب محفوظ، وقد استوحى صاحب نوبل منها شخصية إسماعيل الشيخ في روايته "الكرنك".
عاش حياته بأكملها "آملًا في كتابة رواية لم تُكتب"
بدأ الكفراوي كتابة القصة القصيرة من الستينيات، لكن أولى مجموعاته القصصية لم تُنشر إلا في الثمانينيات، وبدأت حكايته مع الكتابة وفق ما قال أكثر من مرة حين أهداه أحد أقربائه كتاب "ألف ليلة وليلة"، وتوالت القراءات بعدها، ثم بدأ يكتب القصة وذهب بشجاعة إلى مقابلة يحيى حقي رئيس تحرير مجلة "المجلة"، مرتديًا جلبابًا وطاقية، وطلب منه نشر إحدى قصصه القصيرة، ونشر له حقي القصة بعد إعجابه بها، رغم أن المجلة كانت تنشر لأبرز أعلام الثقافة فقط آنذاك.
لم يكتب الكفراوي إلا القصة القصيرة، رغم أنه عاش حياته بأكملها "آملًا في كتابة رواية لم تُكتب" كما قال ذات مرة، فقد وجد في هذا الجنس الأدبي طريقة تماثله وتماثل حبه للحكايات وسردها.
أصدر الكفراوي عدة مجموعات قصصية من بينها: "مدينة الموت الجميل"، و"زبيدة والوحش"، و"ستر العورة"، و"دوائر من حنين"، "مجرى العيون"، و"كشك الموسيقى"، و"سدرة المنتهى"، و"يا قلب مين يشتريك"، و"البغدادية".