يعدّ الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة (1946 – 2021) الذي رحل أمس الأحد في عمّان متأثراً بإصابته بفيروس كوفيد -19، أحد أبرز شعراء جيل الستينيات الذين عبّرت نصوصهم عن هموم التحرّر الوطني، كما تخصّص في النقد المقارن مقدّماً العديد من المؤلّفات في هذا المجال، إلى جانب انخراطه المبكر في صفوف المقاومة الفلسطينية.
في الثامنة عشرة، كَتب قصائده الأولى مجترحاً رؤية وأسلوباً يخصّانه حيث الحفر في جذور التراث ورموزه، ومحاولة إسقاطها على حالة التراجع والتردّي الراهنة من أجل صوغ هوية ثقافية وانتماء للحضارات المتعاقبة على أرض فلسطين، وفي الفترة نفسها التحق بالعمل السياسي كأحد أوائل المنتسبين إلى حركة القوميين العرب، ثم منظّمة التحرير الفلسطينية.
غادر المناصرة مسقط رأسه في قرية بني نعيم بالقرب من مدينة الخليل الفلسطينية إلى القاهرة، ليدرس في جامعتها ويتخرّج من قسم اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1968، ودبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها سنة 1969 من الجامعة نفسها، وبدأ بالموازاة ينشر نصوصه ومقالاته الأولى في الصحف الفلسطينية والعربية مثل "الأفق الجديد"، و"فلسطين"، و"الهدف"، و"مواقف"، وحاز في سنة تخرّجه جائزة الجامعات المصرية.
عاد إلى التراث في شعره من أجل صوغ هوية ثقافية وانتماء للحضارات المتعاقبة على أرض فلسطين
بعد ذلك، انتقل إلى الأردن حيث عمل في الصحافة، وضمنها شغل خطة مدير للبرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية بين عاميْ 1970 و1973، كما ساهم في تأسيس "رابطة الكتاب الأردنيين" وكان أحد الفاعلين في الحياة الثقافية عقب إصداره ثلاث مجموعات شعرية، هي: "يا عنب الخليل"، و"الخروج من البحر الميت"، و"مذكرات البحر الميت"، حتى رحل من عمّان إلى بيروت سنة 1974.
تطوّع في صفوف المقاومة العسكرية بالتوازي مع عمله في المجال الثقافي الفلسطيني كمحرر ثقافي لمجلة "فلسطين الثورة"، وسكرتير تحرير "مجلة شؤون فلسطينية" التابعة لمركز الأبحاث الفلسطيني، وعايش فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وعمل حينها مدير تحرير لـ"جريدة المعركة"، إلى أن غادرها مع الاتفاقيات التي قضت بمغادرة المقاومة الفلسطينية لبيروت.
أصدر الراحل حوالي عشرين مجموعة شعرية، وغنى مطربون عرب عدداً من قصائده
سافر المناصرة إثر ذلك إلى الجزائر، وأسس قسم الأدب المقارن في "جامعة قسنطينة" وعمل أستاذا فيها بين عاميْ 1983 و1987، كما ساهم في تأسيس "معهد الثقافات الشعبية" لطلبة الدراسات العليا في "جامعة تلمسان" وعمل أستاذاً فيها حتى عام 1991، حيث عاد إلى الأردن وهناك أسّس قسم اللغة العربية في "جامعة القدس المفتوحة" ودرَس فيها بضع سنوات، وساهم كذلك في تأسيس كلية الآداب والفنون بـ"جامعة فيلادلفيا" التي عمل فيها أستاذاً حتى تقاعده عام 2017.
خلال تنقلاته المتعدّدة وعمله الأكاديمي، أصدر العديد من الكتب المتخصّصة في النقد والثقافة والفكر ومنها: "الفن التشكيلي الفلسطيني" (1965)، و"السينما الإسرائيلية في القرن العشرين" (1975)، و"المثاقفة والنقد المقارن" (1988)، و"نظرية الأدب.. قراءة مونتاجية في علم الشعريات" (1992)، و"حارس النص الشعري" (1993)، و"إشكالات قصيدة النثر (في ضوء الشعريات المقارنة)" (1998)، و"لغات الفنون التشكيلية" (2003)، و"الهويات، والتعددية اللغوية في ضوء النقد الثقافي المقارن" (2004)، و"علم التناصّ والتلاصّ والتنالاص" (2006)، و"تداخل الأجناس الأدبية (في ضوء الشعريات المقارنة)" (2011)، و"أكبر من دولة فلسطينية، أقل من دولة كنعانية" (2012).
إلى جانب إصداره حوالي عشرين عملاً شعرياً مثل: "قمر جَرَشْ كان حزيناً "(1974)، و"بالأخضر كفّناه" (1976)، و"جفرا" (1981)، و"كنعانياذا" (1981)، و"حيزيّة: عاشقة من رذاذ الواحات" (1990)، و"مطرٌ حامض" (1992)، و"لا أثق بطائر الوقواق" (2000)، وغنى مطربون عرب عدداً من قصائده ومنها "يا نايمين تحت الشجر" و"يا عنب الخليل" و"جفرا" و"بالأخضر كفناه" و"عتم الليل" و"الباب" و"المسافرين" و"مواصلات إلى جسد الأرض" و"الميعاد" و"طواويس" و"كان الصيف موعدنا".