يمثّل علم الاجتماع الصناعي أحد أبرز فروع علم الاجتماع، حيث لا يخفى أن الرهان على الصناعة في سياسات القرنين التاسع عشر والعشرين قد أنتج طلباً على هذا المبحث المعرفي. ينطبق ذلك أساساً على أوروبا والولايات المتحدة، أما عربياً فإن هذا المجال يحضر في درجاته الدنيا، لنجد في المقابل أسبقية فروع أخرى مثل علم الاجتماع الثقافي وعلم الاجتماع الديني.
من المتخصّصين العرب القلائل في علم الاجتماع الصناعي، الباحث الجزائري علي الكنز (1946 - 2020) الذي رحل عن عالمنا أوّل أمس من مدينة نانت الفرنسية. عدم وجود طلب على هذا النوع من المعرفة جعل عالم الاجتماع الجزائري يجوب تخصّصات أخرى مثل علم اجتماع العمل أو الفكر السياسي.
ولد الكنز سنة 1946 في مدينة سكيكدة. بدأ حياته الأكاديمية في الفلسفة ليتحوّل في منتصف السبعينيات إلى علم الاجتماع الذي كان يشهد محاولات جدّية لتأصيله عربياً، ورغم أن الكنز كان يكتب بالفرنسية أساساً، فقد ساهم في هذه الجهود من خلال المواضيع التي تناولها، وكانت تدور حول فهم تحوّلات المجتمع الجزائري.
عرف الكنز بعض التضييقات في مسيرته - ضمن الجو العام الذي كانت تعرفه الجزائر زمن حكم هواري بومدين وبعض السنوات اللاحقة - حتى أن كتابه الأول، "الاقتصاد الجزائري" (1980)، نشره خارج الجزائر باسم مستعار هو الطّاهر بن حوريّة. وإضافة إلى المواقع الأكاديمية التي شغلها، فقد أدار "مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية" بالجزائر العاصمة.
على مستوى أبعد من الجزائر، درّس الكنز في تونس وكان له دور بارز في تخريج جيل من الباحثين في علم الاجتماع، كما كانت له مساهمات تأسيسية مع "الجمعية العربية لعلم الاجتماع"، واشتغل لفترة في "مجلس التنمية والبحث في العلوم الاجتماعية بأفريقيا". ومنذ منتصف التسعينيات قرّر الاستقرار في فرنسا مدرّساً في جامعاتها، وكان أحد أبرز المتخصّصين في تطبيقات نظريات علم الاجتماع بالعالم العربي.
من أبرز أعمال الراحل: "الجزائر والحداثة" (1989)، و"الصدفة والتاريخ" (1990)، و"خلال الأزمة" (1993)، و"كتابة المهجر" (2009). كما شارك في وضع كتب جماعية منها: "الهوية وقضاياها في الوعي العربي المعاصر"، و"العلاقات العربية الأوروبي"، و"غرامشي في العالم العربي".