في ما عدا أعمال المفكّر الكاميروني أشيل مبيمبي، التي بدأت تصل إلى العربية في السنوات الأخيرة، لن نجد في خارطة النشر في ثقافتنا العربية حضوراً بارزاً لمفكّرين أفارقة رغم تقاطع المشاغل والرهانات.
في ظلّ هذا الوضع، بات من الطبيعي أن يمرّ رحيل مفكّر أفريقي بدون أثر في الثقافة العربية، كما هو الحال مع المفكّر الكونغولي غودفروا مانا (1953 - 2021) الذي رحل عن عالمنا يوم الخميس الماضي متأثّراً بالإصابة بفيروس كورونا.
كان مانا أحد أوائل الكونغوليين الذين حصّلوا درجة الدكتوراه في الفلسفة، من "جامعة بروكسيل الحرّة"، في عقد السبعينيات الذي يعدّ بداية انفراج في العلاقات الثقافية المتوترة بين البلد الأفريقي ومستعمِره السابق.
بعد ذلك انتقل مانا إلى مدينة ستراسبوغ الفرنسية، حيث واصل التحصيل العلمي وتخصّص في فلسفة الدين، وكان طموحه أن ينجز حركة فكرية ـ سياسية في أفريقيا جنوب الصحراء شبيهة بما عرف بـ"ثيولوجيا التحرير" في أميركا اللاتينية، حيث انضوت المؤسّسات الدينية تحت راية النضال المدني ضد القمع السياسي.
على مستوى آخر، حاول مانا أن يضع تحت الضوء الاهتمام بالفلسفة في أفريقيا، بل إنه أحد القائلين بوجود "فلسفة أفريقية معاصرة" تنطلق من إشكاليات القارّة السمراء وتعتمد كلّ الأجهزة المفاهيمية التي يمكن التقاطُها من الثقافات الغربية.
في 1997، شارك المفكّر الكونغولي في ألمانيا مع 21 أكاديمياً أفريقياً في إطلاق مؤسّسة "المعهد العابر للثقافات في منطقة البحيرات الكبرى"، والتي كانت تُعنى بتوفير دعم فكري لمحاولات التنوير في أفريقيا والضغط على الطبقة السياسية المتسبّبة في المجازر المتكررة التي تعرفها المنطقة.
بعد سنوات، بدأ عقد المؤسّسة ينفرط، فنقلها مانا إلى مسقط رأسه، مدينة غوما في الكونغو، كما طوّر أهداف المعهد نحو "استثمار المتخيَّل لتنمية أفريقيا". وضمن هذا التصوّر كانت معظم أعماله، وأبرزها: "هل ستموت أفريقيا؟ محاولة في الأخلاق السياسية"، و"المسيح الأفريقي"، و"في مواجهة أزمة السلطة في أفريقيا: نحو نهضة أفريقية"، وقد وقّع هذه الأعمال باسم مختصر هو كا مانا.