بعد رحيل المؤرّخ الفرنسي المختصّ باليونان القديمة بول فاين، مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، ها هو المشهد الثقافي الفرنسي يخسر اسماً آخر من أبرز الأسماء المشتغلة في التاريخ الإغريقي، مع رحيل المؤرّخة كلود موسّيه، يوم الاثنين، الثاني عشر من الشهر الجاري، عن 98 عاماً.
وكانت موسّيه، المولودة عام 1924 في باريس، من المراجع الأساسية في فرنسا حول السياسة والمجتمع الأثينيين، والإغريقيين عموماً، إلى جانب المؤرّخين جان بيير فرنان وبيير فيدال ناكيه، اللذين شكّلت معهما، منتصف الستّينيات، ما سيُعرَف بـ"المدرسة الفرنسية للتاريخ القديم". وكان ثلاثي المؤرّخين هذا متّفقاً على ضرورة اللجوء إلى أنثروبولوجيا تاريخية، وليس فقط إلى التأريخ بالمعنى التقليدي، من أجل فهم حياة اليونانيين القدماء ومجتمعهم.
على أنّ مسيرة الراحلة بدأت قبل تعرّفها إلى فرنان وفيدال ناكيه -اللذين تركا أثراً كبيراً في الحياة الثقافية والفكرية في فرنسا في القرن العشرين- حيث بدأت تُدرّس مادّتها، التاريخ، منذ عام 1947، في مدينة رين، قبل أن تُدرّس في جامعة المدينة نفسها، لتنتقل بعد ذلك للعمل في "المركز الوطني للأبحاث العلمية" بباريس، ومن ثمّ في كلّية الآداب بمدينة كليرمون فيران.
وفي هذه المدينة الواقعة في وسط فرنسا ستلتقي صاحبة "نهاية الديمقراطية الأثينية"، عام 1959، بالفيلسوفين ميشيل فوكو وميشيل سير، اللذين كانا يدرّسان في الكلّية نفسها، وفيها أيضاً ستُنجز أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه، حول تدهور المدنية والديمقراطية في اليونان خلال القرن الرابع قبل الميلاد.
عُرفت بدعمها للمقاومة الجزائرية خلال حرب التحرير ضد فرنسا
وستنضمّ المؤرّخة إلى فوكو وحفنة من المفكّرين والفلاسفة، مثل جيل دولوز وهيلين سيكسو وجان فرنسوا ليوتار، الذين سيضعون أساسات "جامعة فانسن التجريبية" بعد الثورة الطلابية عام 1968، وهي الجامعة (تغيّر اسمها فيما بعد ليصبح "باريس الثامنة") التي ستبقى المؤرّخة تُدرّس فيها حتى نهاية مسارها التدريسي.
موسّيه، التي عانت مع عائلتها خلال الحرب العالمية الثانية بسبب أصولها اليهودية، لن تنسى هذه المعاناة، حيث ستبقى قريبةً من القضايا العادلة، وهي التي عُرفت بنضالها ضدّ الاحتلال الفرنسي للجزائر، ودعمها للمقاومة الجزائرية خلال حرب التحرير (1954 ــ 1962).
خلال مسارها الطويل، نشرت كلود موسّيه أكثر من عشرين كتاباً في التاريخ، ولم يخفت، طوال أكثر من خمسة عقود، اهتمامها بالحياة السياسية والاجتماعية في اليونان القديمة، وتحديداً مسألة الديمقراطية، التي انشغلت بها منذ أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وحتى كتابها الأخير "نظرات على الديمقراطية الأثينية" (2013). ومن بين منشوراتها الأُخرى، يمكننا أن نذكر: "العمل في اليونان وروما" (1966)، و"محاكمة سقراط" (1987)، و"السياسة والمجتمع في اليونان القديمة: النموذج الأثيني" (1995)، و"بريكليس: مبتكِر الديمقراطية" (2005).