عَرف محمّد حِجّي المؤسّسة العسكرية عن قُرب، حيث شارك في حربِ الاستنزاف التي خاضها الجيش المصري ضدّ الكيان الصهيوني (1967 ـ 1970)، إلى جانب شقيقه سيّد، الذي عمل ضابطاً خلال عقد من الزمن وخاض هذه الحرب ومن بعدها حرب تشرين / أكتوبر 1973. كما خسر شقيقه الآخر، الكاتب أحمد حجّي، الذي استُشهد عام 1972 خلال معركة بين الجيش المصري وقوّات الاحتلال الإسرائيلي، في تجربةٍ شخصية وعائلية ستترك عواقبُها أثراً مفصليّاً في تجربته.
يومَ أمس الأحد، رحل الفنّان المصري، في منزله بالقاهرة، عن عُمرٍ ناهزَ 83 عاماً (1940 ــ 2023)، تاركاً وراءه تجربة طويلة في الفنّ التشكيلي والرسم الصحافيّ.
وُلد محمّد حجّي في الدقهلية عام 1940، ودرس التصوير الفنّي في "كلّية الفنون الجميلة" بالقاهرة، التي حصل على إجازة منها عام 1963، وهو العام الذي سيلتحق فيه بمؤسّسة "روز اليوسف" للعمل رسّاماً صحافياً في مجلّتها، حتى تعيينه مديراً للشؤون الفنّية والنشر في "جامعة الدول العربية" عام 1980 (منصب سيشغله حتى 2021).
خلال هذه العقود الأربعة، تعاون الفنّان الراحل مع العديد من المنشورات، مثل "مجلّة الطليعة" في القاهرة، و"الأسبوع الثقافي" في طرابلس بليبيا، كما خطّ رسوماتٍ فنّية للعديد من الكتب، ومن أبرزها لوحاته المصغّرة لكتاب "أحلام فترة النقاهة" لـ نجيب محفوظ.
ولم تكن تجربة حجّي مع المؤسّسة العسكرية بالتفصيل الصغير، إذ اصطدم بفسادها ومواقفها الغريبة مبكّراً، كما يروي في مقابلة مع برنامج "عصير الكتب" بثّتها قناة "التلفزيون العربي" عام 2015، حيث يتذكّر كيف ذهب إلى المخابرات العسكرية المصرية ليطلعهم على رغبته في نشر مذكّرات أخيه الشهيد خلال الحرب مع "إسرائيل"، والتي كان شقيقه قد سلّمه إيّاها قبل ساعات فقط من استشهاده. ويروي الفنّان الراحل كيف طلب أحد الضبّاط المصريين منه "تأجيل" نشر الكتاب، الذي سيتجنّب الناشرون طباعته في مصر، ليُنشَر عام 1982 في تونس، قبل أن يُعاد طبعه بعد عدّة عقود في مصر.
وكان محمد حجّي قد رسم لوحاتٍ توضيحية لهذا الكتاب الذي يسرد فيه أخوه أحمد، بصدق، رغبته ورغبة زملائه الجنود في الدفاع عن بلدهم وعن الأراضي العربية عموماً، من دون أن يجمّل المشهد المزري الذي كان يعيشه مع زملائه، وقلّة الاهتمام بالجنود، ونوعية الدعم والأسلحة التي كانو يُزَوَّدون بها، مثل "مدفعية 25 رطل" التي يستحضرها في مذكّراته ليوم الأحد 16 آب/ أغسطس 1970، والتي كان يخجل مع زملائه من ذكرها عندما يُسألون عن تسليحهم، "فقد كان هذا السلاح من مدفعية الحرب العالمية الثانية: قديم، بدائي، قصير المدى، صعب التشغيل".
هذا الفرق الكبير بين الخطاب الإعلامي للنظام الحاكم ومؤسساته، وبين حقيقة الواقع، لن يجعل الفنان الراحل يحيد عن مساره، بل يبدو أنه كان عاملاً إضافياً في قناعته بضرورة الوقوف مع القضايا العادلة رغم تخاذل الآخرين، وهو ما سيتبلّور في العديد من المناسبات خلال تجربته، ولا سيّما في دعمه ونضاله من أجل القضية الفلسطينية، سواء من خلال مشاركته إلى جانب المقاومة الفلسطينية والأردنية خلال معركة الكرامة (1968)؛ وهو الذي كان بالأساس مراسلاً صحافياً بُعث لتغطيتها، لكنه "لم يحتمل دور الشاهد أو المشاهد" حين وصوله إلى ساحة المعركة (كما نقرأ على صفحة شخصية له في فيسبوك مخصّصة لأعماله)، أو من خلال معارضه وكتبه، خصوصاً مجموعة "شعب تحت الحصار" (2002) التي رسم فيها كفاح الشعب الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى.
كان محمّد حجّي من منتقدي الأنظمة العسكرية الفاسدة التي سادت في البلدان العربية بعد الانقلابات التي شهدها العديد منها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهي طغمة يستثني منها جمال عبد الناصر، لكنّه يضمّ إليه نظام العسكر الذي حكم مصر بعد ثورة 2011، والذي خطّ الفنّان الراحل العديد من الرسومات التي تنتقده وتنتقد تسلُّطه وسرقته لثورة الشعب المصري.