في المشهد الفلسفي العربي المعاصر، يحضر المفكّر المغربي محمد سبيلا ــ الذي رحل عن عالمنا، في أحد مستشفيات الرباط، أمس الإثنين عن 79 عاماً (1942 ـــ 2021) متأثّراً بإصابته بفيروس كورونا ــ كواحد من أبرز الأسماء التي تصدّت نظرياً للأسئلة التي تطرحها قضية الحداثة وما بعد الحداثة على الثقافة العربية.
وإذا كان اسم سبيلا قد ارتبط باشتغاله هذا على ثيمة الحداثة، فلأنّها لم تغادر أعماله، إذ تحضر في أوّل كتاب صدر له عام 1987 بعنوان "مدارات الحداثة"، وتعود في آخر أعماله، "الشرط الحداثي" (2020). وما بين هذين العنوانين، وقّع صاحب "في الشرط الفلسفي المعاصر" (2007) العديد من الأعمال التي تمحّص في أوجه مختلفة من مسألة الحداثة وتبعاتها وعلاقتها بالراهن العربي والمغربي، مثل "الأصولية والحداثة"، و"المغرب في مواجهة الحداثة"، و"دفاعاً عن العقل والحداثة"، و"مَخاضات الحداثة"، من بين عناوين أُخرى.
كما عُرف صاحب "العقلانية وانتقاداتها" بمشروع "دفاتر فلسفية ــ نصوص مختارة"، المشترك مع المفكّر المغربي عبد السلام بنعبد العالي، حيث قدّما، في العديد من الكتب، مقتطفات من نصوص تأسيسية حول مسائل فلسفية تشمل ثيمات مثل الحقيقة والعقلانية والإيديولوجيا والتفكير الفلسفي والمعرفة العلمية والتمييز بين الطبيعة والثقافة.
وإلى جانب مشروعه الفكريّ الشخصي حول الحداثة وكتاباته في السياسة وحقوق الإنسان، ومشروع "دفاتر فلسفية" الساعي إلى إتاحة نصوص فلسفية للجمهور الكبير وإيضاح بعض القضايا الفلسفية الكبرى، وقّع محمد سبيلا ترجمات لعدد من الأعمال الفلسفية، مثل "نظام الخِطاب" (1986) لميشال فوكو، و"التقنية، الحقيقة، الوجود" (1984) لمارتن هايدغر (ترجمه بالاشتراك مع عبد الهادي مفتاح). كما نقل كتباً مدخلية إلى التحليل النفسي، مثل "التحليل النفسي" (1985) لبول لوران أسّون، و"التحليل النفسي" لكاترين كليمان (2000، بالاشتراك مع حسن احجيج).
وُلد محمد سبيلا في الدار البيضاء، وبدأ دراساته العليا في الرباط قبل أن ينتقل إلى جامعة "السوربون" بباريس، حيث حصل على إجازة في الفلسفة؛ وفي عام 1992 نال درجة دكتوراه في الفلسفة من "جامعة محمد الخامس" في الرباط. اشتغل صاحب "للسياسة، بالسياسة" لعقود في التدريس بعدد من جامعات المغرب التي شغل فيها أيضاً مناصب إدارية، مثل رئيس قسم الفلسفة وعلم الاجتماع في كلية الآداب بفاس، كما ترأّس "الجمعية الفلسفية المغربية" لسنوات.