ستيفان مادلريو: تجارب تُعطي الحياةَ معناها

13 نوفمبر 2022
شوقي شمعون/ لبنان
+ الخط -

ربما كانت الفلسفة الغربية المُعاصرة مَدينةً إلى الفينومينولوجيا، أو الظاهراتية، في تمييزها بين أنواع التجارب؛ حيث ظلّ الفلاسفة، من كانط إلى مطلع القرن الماضي، يتعاملون مع التجربة بوصفها قاعدةً أساسية لفهم الإنسان لعالمه، دون الالتفات إلى النحو الذي يعيش الإنسان من خلاله مختلف أنواع التجارب، وهو ما انتبه إليه فلاسفة ظاهراتيون، ولا سيّما إدموند هوسرل وموريس ميرلو بونتي وإيمانويل ليفيناس وجان لوك ماريون.

 ذلك أن هؤلاء الفلاسفة انشغلوا بوصف تجارب لا يكون الإنسان فاعلاً فيها بالضرورة كما هو الحال عند كانط، بل متأثّراً، كما ميّزوا نوعاً من التجارب التي تتجاوز الفهم الإنساني العاديّ للعالَم وعلاقته المباشرة به، مثل ظواهر الإيمان الديني، والأرق، والجنس، وحتى الغريب الذي يعدّه الفيلسوف الألماني الظاهراتي، برنارد فالدنفلس، واحداً من هذه "التجارب القصووية" أو الحدودية، والتي يصعب الإلمام بها والإمساك بكلّ تفاصيلها، إذ تبدو عصيّةً على الدخول في إطار الفهم التقليدي اليومي.

في كتابه "فلسفة التجارب الراديكالية" (أو الجذرية)، الصادر حديثاً عن منشورات "سوي" في باريس، ينظر الباحث الفرنسي ستيفان مادلريو في هذا النوع من الظواهر "غير الاعتيادية" أو "الحدودية"، آخذاً عليها أمثلةً تبدأ بالأحاسيس الروحية وبالكوارث الطبيعية ولا تنتهي بتجربة الاحتفال.

يتساءل المؤلّف إن كانت التجارب العادية، المألوفة، تكفي وحدها لإعطاء معنىً لحياة الإنسان؛ وهو لا يتأخّر في تقديم إجابته التي يتوقّعها قارئ الكتاب: أي أنّ هذه التجارب وحدها لا تكفي، وأن أكثر ما يلمس الإنسان ويؤثّر في نفسه ومسار حياته هي تلك اللحظات التي يخرج فيها من رتابة اليومي ويقترب أكثر من المُطلَق، كما يحدث في حالة النشوة على سبيل المثال. 

غلاف

ويشير مادلريو إلى أن هذا النوع من التجارب يأتي ليفرض قيَماً جديدة، ويكشف عن مُعطياتٍ لم تكن ملحوظةً حول الأشياء والعالَم الذي نعيش فيه، لأنه يُساهم في إخراج الإنساني من إطاره الزماني ــ المكاني المعتاد. وهو يعرّف التجربة الحدودية أو القصووية بوصفها تلك التي "يذهب الإنسان فيها إلى أقصى حدود الممكن، أي إلى ذلك الحد الذي لا يعود وراءه أيّ وجود للتجربة".

انطلاقاً من هذا الفهم، يقدّم المؤلّف قراءة تاريخية للفلسفة الفرنسية المُعاصرة، حيث يميّز بين فلاسفة ومفكّري التجربة القصووية، مثل ميشيل فوكو وجورج باتاي وموريس بلانشو، وفلاسفة التجربة المحضة، مثل جيل دولوز وهنري برغسون وجان فال، كما يفتح جسوراً بين الفلسفة الفرنسية والفلسفة الأميركية المعاصرة، ولا سيّما في تيّارها البراغماتي، أبرز تيارات الفلسفة الأنكلوساكسونية توقّفاً عند مسألة التجربة، وهو تيّارٌ يُعَدّ مادلريو من المختصّين فيه في فرنسا، حيث وضع العديد من الأعمال حول عدد من رموزه، مثل ويليام جيمس وجون ديوي.

المساهمون