منذ صدور النسخة العربية من مسرحية "العذراء والموت" للكاتب التشيلي أرييل دورفمان (1942) بترجمة علي كامل عام 2005، توالت اقتباسات المخرجين العرب عنها لما تحمله من نقد مركّب للسلطة الأبوية في أبعادها السياسية والاجتماعية، حيث شكّلت مراجعة معمّقة للاستبداد والقمع اللذين مارستهما سلطة أوغستو بينوشيه لأكثر من سبعة عشر عاماً.
قدّمت هذه الرؤى الإخراجية مقاربات راهنة في محاولة لإسقاطها على الواقع العربي في ظلّ حكم أنظمة ديكتاتورية، ارتكبت انتهاكات لا تقلّ فظاعة عن ممارسات النظام الديكتاتوري في تشيلي، استناداً إلى العمل الذي يطرح تساؤلات مهمّة حول معنى الخوف والعدالة لدى الضحية والجلاد.
تُعرض المسرحية عند السابعة والنصف من مساء الإثنين المقبل، الثلاثين من الشهر الجاري، على خشبة مسرح "المعهد العالي للفنون المسرحية" في القاهرة، للمخرجة المصرية سماء إبراهيم التي تشارك في التمثيل أيضاً برفقة الفنانين إيهاب محفوظ ومحمد يوسف، كما يصمّم الديكور محمود هاشم، ويؤلّف موسيقى العمل محمد صلاح.
يتضمّن العمل نقداً مركّباً للسلطة الأبوية في أبعادها السياسية والاجتماعية
استوحى دورفمان موضوع مسرحيته من خبر قرأه في صحيفة حول رجل أنقذ حياة شخص انقلبت عربته في طريق عام، وأثناء دعوة الرجل لذلك الغريب ضيفاً إلى منزله تُميّز الزوجة نبرة صوت الرجل الغريب الذي عذّبها واغتصبها في السجن قبل سنين خلال حكم بينوشيه، حيث إن الحكومة المنتخبة الجديدة لم تستطع اجتثاث جميع رموز النظام السابق ما أثار غيظ وضغينة الناس، خصوصاً أولئك الذين ظل يسكنهم الخوف رغم سقوط الديكتاتور.
تستند إبراهيم في معالجتها الدرامية إلى تواطؤ الزوج مع الجاني من أجل الحفاظ على صورته أمام المجتمع، في اختلاف عن النص الأصلي الذي يفترض العكس، حيث يتمّ التركيز على نفسيته المحطّمة وعجزه عن مواجهة الظلم من خلال الانحياز إلى زوجته، في إبراز لتحالف السلطة السياسية مع العقلية الذكورية.
ويعتمد العمل على استحضار الضحية لذكرياتها، الذي يجب أن يحظى بدعم المقرّبين منها، كما يقول دورفمان: "ثمة أناس يموتون من أجل أن نستمر نحن على قيد الحياة. فلزامًا علينا أن نقدّم لهم شيئًا ما، كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟ كيف بوسعنا أن نتحدث إليهم، نحكي قصصهم، ومن أجلهم".
ويترك دورفمان نهاية المسرحية مفتوحة على سؤال أساسي هو: هل يمكن للضحية أن تتجاوز ما فعله بها الجلاد ليعيشا معاً في مجتمع ديمقراطي جديد، أم يجب أن تتحقق العدالة ويُحاسب الجلاد على ما اقترفه من جرائم؟ لكن سماء إبراهيم تنهي العمل بوضع المسدس بين أبطاله الذين يتعاركون في ما بينهم، وتسدل الستارة حين تُطلق الرصاصة دون تحديد من أطلقها وعلى من.